للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت: اصبحوني، لا أبا لأبيكم ... وما وضعوا الأثقال إلاّ ليفعلوا

فصبوا عقاراً في الإناء كأنَّها، ... إذا لمحوها، جذوةٌ تتأكّل

وجاؤوا ببيسانيَّةٍ هي، بعدما ... يعلُّ بها السّاقي، ألذُّ وأسهل

تمرُ بها الأيدي سنيحاً وبارحاً، ... وتوضع باللَّهم حيَّ، وتحمل

فتوقف أحياناً، فيفصل بيننا ... غناء مغنٍّ، أو شواءٌ مرعبل

فلذَّت لمرتاحٍ، وطابت لشاربٍ ... وراجعني منها مراحٌ وأخيل

فما لبَّثتنا نشوةٌ لحقت بنا ... توابعها ممّا نُعلّ وننّهل

تدبُّ دبيباً في العظام كأنَّه ... دبيب نمالٍ في نقاً يتهيّل

ربت وربا في كرمها ابن مدينةٍ ... مكبٌّ على مسحاته يتركَّل

إذا خاف من نجمٍ عليها ظماءةً ... أدَّب إليها جدولاً يتسلسل

فقلت: اقتلوها عنكم بمزاجها، ... وحبَّ بها مقتولةً حين تقتل

فقال التَّغلبيّ: إنّي جررت الذّارع، ولقيت الدَّارع، وهجرت الآبدة، ورجوت أن تدعى النَّفس العابدة، ولكن أبت الأقضية.

فيقول، أحلَّ الله الهلكة بمبغضيه: أخطأت في أمرين، جاء الإسلام فعجزت أن تدخل فيه، ولزمت أخلاق سفيه؛ وعاشرت يزيد بن معاوية، وأطعت نفسك الغاوية؛ وآثرت ما فني على باقٍ، فكيف لك بالإباق؟ فيزفر الأخطل زفرةً تعجب لها الزَّبانية، ويقول: آه على أيّام يزيد أسوف عنده عنبرا، ولا أعدم لديه سيسنبرا؛ وأمزح معه مزح خليل، فيحتملني احتمال الجليل؛ وكم ألبسني من موشيّ، أسحبه في البكرة أو العشيّ، وكأنِّي بالقيان الصّدحة بين يديه تغنِّيه بقوله:

<<  <   >  >>