للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن الدكتور طه حسين يعترض على رواية أن أبا تمام قد صنع هذه الاختيارات في همذان فقد قال: "تحدثنا الأخبار أن أبا تمام قد اختار كل هذه الكتب لأنه اضطر إلى البقاء في همذان، فقد حال الثلج بينه وبين المضي في سفره فاضطر إلى البقاء، وعكف على خزانة الكتب فأنفق وقته في تصنيف ما ظهر له من المختارات، ولكن هذا غير ممكن وغير معقول، فقد كانت إقامته رهن زوال الثلج، وهذا لا يتجاوز الأشهر القليلة، ومن المستحيل أن يصدق أنه قد اختار هذه الكتب في شهرين أو ثلاثة".

وهو رأي يصعب دفعه إذا قلنا برواية التبريزي، أما إذا قلنا بالرواية الأخرى التي تقول بأنه صنع في همذان ثلاثة كتب، فإن الأمر يصبح في حيّز المعقول وبعيدًا عن المستحيل الذي أشار إليه الدكتور طه حسين، وبخاصة إذا علمنا أن أبا تمام كان كثير الحفظ من شعر العرب، وأن هذا يعينه كثيرًا على إنجاز ما أزمع صنعه في هذه الاختيارات الثلاثة، كما أن الروايات لم تذكر أنه لبث في همذان شهرين أو ثلاثة، وإنما الإشارة إلى هذا جاءت مبهمة في كلام أبي الوفاء لأبي تمام: "وطن نفسك على المقام فإن هذا الثلج لا ينحسر إلا بعد زمان" فربما كان انحسار الثلج يتطلب زمنًا أطول من الزمن الذي حدده الدكتور طه حسين، وربما ظل أبو تمام فترة من الزمن بعد انحسار الثلج، فليس في المصادر ما يفيد أنه غادر همذان في تاريخ محدد.

وكان الأستاذ علي النجدي ناصف قد اعترض على قول الدكتور طه حسين المتقدم، وبنى اعتراضه على عدة أوجه: أحدها أن أبا تمام لم يكن ينوي أول الأمر يلبث في همذان إلا ريثما يذوب الثلج ويتيسر السفر، ثم عدل عن نيته هذه أو غير منها حين أقبل على العمل، فاستبان قيمتة وأدرك المضي فيه. وثانيها أن أبا تمام لم يكن له عهد بكتب آل سلمة من قبل، فرأى العكوف عليها والإفادة منها غنيمة بالغة، ونُهزة نادرة، لا يجمل بمثله أن يتهاون فيها أو يؤثر حاجة عليها. وثالثها أن أبا تمام كان يكره الشتاء ويحذر البرد، وله من الأشعار ما يؤكد ذلك، ومن ثم فإن إقامته في همذان لم تكن رهنًا بزوال الثلج عنها لأن زوال الثلج من بلد لا يعني

<<  <   >  >>