للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شروح الحماسة ولهذا فإن عملنا في تطبيق هذا المنهج سوف يكون مقصوراً على ابن جني وحده.

٣ - المنهج التتبعي التقويمي:

وأما المنهج التتبعي التقويمي فهو منهج برز عند علماء القرن الرابع وما تلاه من قرون. ويمكن أن نجد ملامح منه لدي أصحاب المناهج الأخرى. ذلك لأنه يقوم على أعمال السابقين، يتتبع هذه الأعمال، يقف على ما فيها من أخطاء وأوهام يعرضها ويفندها ويبن الوجه الصحيح فيها. ومن ثم فإن أعمال أصحاب هذا المنهج لا تقوم من تلقاء ذاتها، كما هو الحال عند أصحاب المنهجين السابقين، وإنما قيامها في التأليف رهين بأعمال السابقين، وهي بهذا تشكل منهجين مزدوجين: منهج في إنشاء الكتب وتصنيفها، ومنهج في طريقه معالجه هذه الكتب، إذ أن الذي يتتبع شروح الآخرين ليكشف ما فيها من أخطاء، ويصنع في ذلك كتابًا يعد صاحب طريقة في التأليف ثم انه وهو يتتبع هذه الأخطاء ويعالجها يحتاج إلى طريقة أخرى يقوم عليها عمله ومن هنا كانت أعمال هؤلاء مختلفة عن غيرهم من الشراح، ومن هنا كان اتجاهاهم هذا منهجاً قائماً لذاته مع إدراكنا التام بأن عملهم وهو يتتبعون أعمال غيرهم ويقومونها قد يكون متأثراً بالمناهج الأخرى، نجد فيه آثاراً من المنهج النقلي وآثارًا من المنهج الإبداعي، وقد يكون مزيجًا من المنهجين معًا.

ولا شك في أن أصحاب هذا المنهج ذوو ثقافة واسعة ملمون بسائر العلوم التي تتصل بشرح الشعر، فهم- كما رأيناهم في أعمال الحماسة- مطلعون على الرواية وما فيها من اختلافات، قادرون على مناقشتها بوسائل مختلفة، وهم بجانب هذا عالمون بالأخبار التاريخية واقفون على أحوال الشعراء والمناسبات التي نظموا فيها شعرهم مستوعبون لوسائل الأداء الشعري، مدركون للغة وأسرارها، مجيدون لكل ما من شأنه أن يعينهم على النقد والتقويم.

وإذا علما أن من الذين اتجهوا نحو هذا المنهج عالمين معروفين أحدهما من علماء القرن الرابع هو أبو هلال العسكري المتوفى سنة ٣٩٥ هـ، والآخر من علماء القرن

<<  <   >  >>