لقد تمثل عمل ابن جني في الحماسة في كتابين كلاهما يدل على منهجه العلمي التخصصي، فالمبهج خصصه لشرح أسماء الحماسة، والتنبيه خصصه لشرح معضلات الإعراب وما يلحق به من اشتقاق أو تصريف أو عروض أو قواٍف. ولقد صدر كلًا من الكتابين بمقدمة جاءت موطئه للعمل وفاتحة له، ودالة على منهجه في الشرح، ففي مقدمة المبهج قال ابن جني بعد أ، حمد الله:((هذا تفسير أسماء شعراء الحماسة، وينبغي أ، تعلم أن في ذلك علمًا كثيرًا وتدربًا نافعًا، وستراه بإذن الله)) ثم مضى قائلًا: ((يجب أن يقدم أمام ذلك أحوال هذه الأسماء والأعلام، وكيف طريقها؟ وعلى كم وجها نجدها؟ وإلى كم ضربًا قسمتها))، ثم استرسل فعقد درسًا في أسماء الأعلام بين فيه ما كان مرتجلًا وما كان منقولًا، وأقسام كل من المرتجل والمنقول، وما يتصل بهما من أمور تدخل في صميم اللغة محاولًا في كل خطوة يخطوها أن يدعم كلامه بالأمثلة والشواهد والشرح، حتى وصل في النهاية إلى قوله:((قد فرغنا مما كنا ضمنا تفسيره فيما تقدم من أحوال الأعلام، ونحن نورد الأسماء المحتملة للقول من أسماء شعراء الحماسة ونقول في كل ما يحضرنا ويسنحه الله تعالى لنا)).
ولم يبن ابن جني عن منهجه الذي سوف يسير عليه في هذا الكتاب، غير أن ما وطأ به كتابه يفيد ضمنًا بأنه سوف يسير في شرح أسماء الشعراء وفق هذه المقدمة التي طرح فيها أحوال أسماء الأعلام وطرائقها ووجوهها وأضرب قسمتها، وأنه لن يشرح كل اسم أو علم ورد في الحماسة، بل يشرح من الأسماء والأعلام ما يحضره ويسنحه له الله تعالى، بمعنى أنه سوف يسجل في شرحه ما يدور بخلده ويجول في فكره مما يتيح لقارئه العلم الكثير والتدرب النافع.
أما في ((التنبيه)) فقد وضح منهجه فيه بجلاء، قال مخاطبًا من صنع له