أما الجانب الثالث الخاص بأن الإعراب قد يأتي مخالفاً للمعني فقد عرض إليه ابن جني في مواضع متفرقة من التنبيه، منها ما جاء عنه في بيت جعفر بن علبة القائل:
عجبت لمسارها وأني تخلصت ... إلي وباب السجن دوني مغلق
فهوي يري فيه أنه لا يجوز أن يكون "أني" من قوله "وأني تخلصت" مجرورة عطفاً علي قوله "مسارها" وذلك أن "أني" استفهام والاستفهام لا يعمل فيما ما قبله، وبناء علي هذا فأن "أني" في رأيه منصوبة بقوله: "تخلصت" كقولك: أني ارتحلت أي من أين ارتحلت، فكأن المشاعر لما قال: عجبت لمسارها تم كلامه ثم قال مستأنفاً أحداً في كلام أخر "وأني تخلصت" أي من أين تخلصت. هذا وضع الأعراب عنده، غير أنه عقب عليه بقوله: هذا وضع الإعراب ومقتضي الصنعة فيه، فأما حقيقة المعني فكأنه قال: عجبت لمسارها ولتخلصها إلي، لأن العجب اشتمل عليهما جميعاً، ولا يستنكر أن يكون وضع الإعراب مخالفاً لمحصول المعني، ألا تراك يقول: أهلك والليل، فمعناه الحق أهلك قبل الليل والإعراب غير ذلك.
وأما الجانب الرابع المتمثل في اعتماده الواضح علي القياس في مناقشة المسائل الإعرابية فهو مذهبه النحوي، فابن جنبي كما سبق أن أشرنا كان من أصحاب مدرسة القياس أو المدرسة البغدادية الجديدة، وهي مدرسة تعتمد علي القياس في العمل النحوي، وذلك لنزوعها الدائم إلي أهل البصرة، ففي مناقشاته لخلافات سيبويه والأخفش نراه دائماً يردد قياس سيبويه كذا وقياس أبي الحسن كذا، كما أنه كثيراً ما بين نظرة البصريين من جهة القياس إلي مسألة من مسائل الإعراب،