للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يكونا زائدتين حملا علي الأكثر، ولكن قد ورد السماع بما أرغب عن القياس فترك إليه".

وهذا يدل علي أن السماع كان لديه في الدرجة الأولى من أصول العربية مع اعتداده الواضح بالقياس والتعويل عليه في كثير من عمله في اللغة والنحو، ولكنه كان في السماع يعتمد علي الكثرة والشيوع مثل البصريين بدلالة أنه كان ينتقد الشعراء في بعض تراكيبهم اللغوية التي جاءت مخالفة القياس، وهو أمر سوف نعرض له في عنصر النقد الذي كان يقيمه ابن جني في نصوص الحماسة.

٥ - المعاني:

سبق أن أوضحنا في مناقشتنا لمقدمة ابن جني في التنبيه أنه لا يعرض لمعاني الشعر إلا من خلال الإعراب، فالمعاني لم تكن من همه، هذا ظاهر قوله: "وتحاميت شرح أخبارها أو تفسير شيء من معانيها إلا ما ينعقد بالإعراب"، ولهذا رأيناه نادراً ما يتطرق لمعاني الشعر، ومن هذا النادر قوله في بيت عروة بن أذينية:

حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ما كان أكثرها لنا وأقلها

قال: "أي ما كان أكثرها لنا فيما مضي وما أقلها الآن، وهو علي حذف المضاف إليه أي ما كان أكثر فعلها أي وصلها ومودتها" ثم فصل الشرح قليلاً في لفظة "أكثر" فقال: "وأكثر هنا من قولهم لا كثير ولا طيب، وليس الكثير هنا من الكثرة التي هي زيادة الأجسام ونحوها، وإنما الغرض فيه البركة والقبول وطيب النفس بالشيء" ثم عرض إلي معني أخر غير الأول فقال: "ويجوز أن يكون من أكثرها وأقلها عائداً علي التحية وهذا واضح" يريد أن المعني: ما كان أكثر تحيتها لنا فيما مضي، وما أقل هذه التحية الآن وهو معني ليس برديء من حيث أن التحية هنا رمز للوصول والمودة، ولكن ابن جني ذا النظرة يفضل عليه المعني الأول القائم على

<<  <   >  >>