لقزح فتخبر عنه بتعليقه (قوسه) فابن جني إذن يعتبر تركيب ابن عبدل شاذًا خارجًا عن قانون النحو وأن ضرورة الشعر هي التي دعت إليه، ولكنّه مع ذلك يحاول أن يضع له عذرًا في هذا الشذوذ بقوله:(أن الشاعر ربما يلعب بكلامه كثيرًا) ثم ينتقد تفسيرًا لقزح في هذا البيت فيقول: وقول من قال أن قزح شيطان تمحل منه).
هذا هو عمل ابن جني في شرح الحماسة، وتلك هي معالجته لعناصر الشرح فيه، وهي معالجة- كما اتضح لنا بعد هذا العرض- رهينة المنهج الذي سلكه صاحبها، وهو منهج علمي متخصص في مجالات معينة من الشرح، مجال المشاكل التي تثيرها النصوص في اللغة، وما يلحق بها من اشتقاق أو تصريف، ومجال المسائل الإعرابية وما يتصل بها من خلافات بين النحاة، ومجال المشكلات التي تتصل بالعروض والقوافي، أو تتصل بشذوذ التراكيب في استخدام الشعراء. ولقد كان ابن جني يتحرك في هذه المجالات بأسلوب يغلب عليه الطريقة الجدليّة المتأثرة أحيانًا بطرق المتكلمين في التعبير، وهو أسلوب قد يثير في نفوسنا المتعة الذهنية ولكنه خالٍ من الإثارة الوجدانية التي رأيناها عند المرزوقي بأسلوبه الأدبي، وربما التقى ابن جني مع المرزوقي في الجنوح أحيانًا إلى طريقة المعلمين في التعبير، غير أن غلبة أداء العبارات عند الرجلين جد مختلفة، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى دلالة، ويستطيع أن يدركه بوضوح كل من يقف على أسلوب الرجلين.