ضابطًا ومقومًا ما رآه من مواضع زلل فيها، قال في مقدمة هذه الرسالة:((مر بي في نسخة الحماسة بخط بعض أجلاء الشيوخ، وذكر أنه قرأها على أبي بكر الخياط وأبي الحسن الهرباني مواضع لم تضبط حق الضبط، ولم تجر على سنن العدل، فرأيت الأبانة عن مواقع الزلل منها لئلا أنسب إلى الخطأ إذا رويت خلافها))، فإذا نظرنا إلى هذه الرسالة وجدنا أن عمل أبي هلال فيها يقوم على ثلاثة جوانب: أولها التصحيف الذي يحدث في روايات الحماسة فيؤدي إلى فساد في المعنى، وثانيها التحريف الذي تنجم عنه عدة أمور، منها خلل المعنى أو خلل الإعراب أو خلل الوزن، أو خلل أن يجري الكلام على غير المألوف عند العرب، وثالثها الخطأ في نسبة الشعر إلى قائله، وهو في هذه الجوانب الثلاثة كان يعتمد في تبيان كل ما يطرأ له من زلل في الرواية على علوم اللغة والنحو والصرف والأخبار التاريخية وعلم العروض، وعلى ثقافته الواسعة في الموروث من العلم والأدب، وعلى إدراكه العميق لمعاني الشعر ومرامي الشعراء، وذوقه الخاص في فهم الشعر، ومعرفة دقائق القول فيه.
ففي الجانب الأول الخاص بالتصحيف نراه يبيّن ما وقع فيه الشيخ صاحب النسخة من تصحيف في رواياته. ولا شك أن أبا هلال قد أفاد في هذا الجانب من شيخه أبي أحمد العسكري صاحب كتاب (شرح ما يقع في التصحيف)، فهو وإن لم يشر إليه في رسالته فإن تلمذته له تدفعنا إلى القول بأنه أفاد من شيخه في هذا الجانب بدلالة ما جاء عنه في بيت قيس بن الخطيم الذي يقول فيه: