للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ضمنًا بعلم الرجل في معرفة لغات العرب ونوادر كلامهم، فقد قال مثًلا معلقًا علي عمل أبي عبد الله في بيت من أبيات المدح: "لو أن أبا عبد الله عرف علم النسب وأيام العرب مثل ما عرف من لغاتها ونوادر كلامها لما شق غباره في استخراج هذه المعاني".

ومعني هذا أنه يعترف بأن أبا عبد الله النمري كان علي علم بلغات العرب ونوادر كلامها، فكيف يتأتى لنا أن نتصور - بزعم أبي محمد- أن رجلًا هذا هو شأنه يمكن أن يوصف بالغباوة أو يكون عمله في تفسير الشعر ضربًا أشبه بالهذيان.

وأما قوله: "لو أن أبا عبد الله عرف علم النسب وأيام العرب" فهذا يدفعنا إلي مناقشة أمر تسلط علي أبي محمد الأعرابي في عمله وهو أنه يوقف دائمًا إدراك معني الشعر علي معرفة قصته أو نسب قائله أو نسب المقول فيه، بل هو يذهب إلي أبعد من ذلك حين يصرح في أحد أبيات الحماسة بأن "مثل هذا لا يعرف معناه البتة إلا بالقصة المتعلقة بها معناه ولو قرن به كتاب العين والجمهرة"، فكأنه بهذا القول يجعل عنصرًا من عناصر الشرح متغلبًا علي سائر العناصر الأخرى وعلي عنصر شرح اللغة بالذات وهو عنصر لا غني في شرح الشعر البتة، ولقد سبق أن وضحنا أننا لا ننكر قيمة ذكر الأخبار التي تتصل بالشعر في فهم بالشعر في فهم الدوافع التي أدت إلي قوله والجو النفسي الذي قيل فيه، ولكن هذا لا يجعلنا نحكمه في كل بيت بحيث تتحول عملية الشرح غلي روايات وقصص مأخوذة من أفواه أعراب متأخرين، عاشوا في البادية، رحل إليهم أبو محمد وشيخه أبو الندي فأخذه هذه الأقاصيص والروايات التي ربما تشتمل علي الكثير مما يدخل فيه التزييف والاختلاق، ويحتاج إلي صنيع أشبه بصنيع الأجيال الأولي من العلماء في تصفية ما كانوا يأخذونه من أفواه أهل البوادي وتنقيته.

وإذا كنا قد أخذنا علي أبي محمد هذه المآخذ في عمله، فان هذا لا يمنع من القول بأن كتابه بمنهجه الذي قام به يعد إسهامه طيبه في خدمة اختيار الحماسة، وهذا أمر واضح من خلال الجوانب التي عرضناها فيما سبق.

<<  <   >  >>