للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ألم تر للخلافة كيف ضاعت إذا كانت بأبناء السراري

فلم يكتف التبريزي بإيراد الخبر وما قيل فيه من أشعار وإنما زاد عليه ما جاء عن أبي العلاء في مناقشته للفظة "السراري" الواردة في البيت السابق، وهي مناقشة فيها إفاضة وإسهاب قال: "السراري جمع سرية وحق الجمع أن يكون مشدد الياء فخففه للضرورة، وقد اختلف في اشتقاقها فقيل: هي من السر الذي هو النكاح، وقيل إنما سمي سرًا لأنه يستسر به عن العيون، وقيل: سميت سرية لأن مالكها يسر بها وهذا أقيس من القول المتقدم لأنهم يسمون السر سرًا بضم السين قال طرفة:

ففداٌء لبني قيٍس على ما أصاب الناس من سٍر وضر

فوزنه على فعلية، وقال قوم: إنما أخذت السرية من السراة وهي أعلى الشيء، فقيل: أراد أن مالكها يملك سراتها، وقيل: بل ذلك من فعل السراة من الناس لأن السراري إنما يتخذها أهل اليسار والسعة، وقال قوم: سميت سرية لأن مالكها يطرقها ليلًا فكأنه يسري إليها، ووزنها على هذه الوجه فعولة، وذلك أقيس من أن تجعل فعيلة إنما حكى في قولهم كوكب دري، وفعولًا وإن كان قليلًا فهو أكثر في الكلام قالوا: السبوح والقدوس والذروح".

فهذا الاستطراد المسهب في شرح لفظة ترد في بيت من أبيات الاختيار وإن كان له قيمته في التوسع اللغوي الذي تميز به شرح التبريزي فإنه في الوقت ذاته قد أخل بإحدى صفات هذا المنهج المتمثلة في إيراد العناصر محاطة بالتناسق والتنظيم مشمولة بالمواءمة التي لا تجعل عنصرًا يطغى على العناصر الأخرى.

هذا هو عمل التبريزي في الحماسة، حاولنا أن نعرضه في صورة لا تغمط الرجل حقه، فهو شارح حاول أن يبتكر منهجًا مغايرًا لسابقيه في شرح الشعر، وجد شيوخه وسابقيهم قد عالجوا الحماسة في شروحهم من نواح مختلفة كل شرح يركز على ناحية دون الأخرى، فأراد بمنهج جديد أن يجمع بين هذه النواحي في شرح واحد أي

<<  <   >  >>