للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان النمري في جل عمله لا يتصف بمنهج الالتزامين النقليين فانه في تعرضه للقاسم الديمرتي لم يكن ذا منهج تتبعي تقويمي، لأن أصحاب المنهج التتبعي التقويمي - كما رأيناهم من خلال شرح منهجهم وتطبيقه - كانوا يبنون كتبهم في المقام الأول على تتبع كتب السابقين من خلال ما فيها من زلاّت وأخطاء يعرضونها ويبينون وجه الصواب فيها، يفعلون ذلك ضاربين صفحاً عن الصحيح الذي ضمته هذه الكتب فلا يذكرونه البتة. أما النمري فلم يقم كتابه على هذا الأساس، وإنما أقامه على شرح معاني شعر الحماسة وذكر رواياته. هذا من جهة ومن جهة أخرى انه لم يتبع الديمرتي في كل خطأ وقع فيه، وهذا ظاهر من قوله في مقدمته: "وليس الغرض الرد عليه فأستوعب خلله" هذا فضلاً عن أنه لم يقصر جهده على الأخطاء وحدها، على نحو ما رأينا في تطبيق هذا المنهج على أبي هلال العسكري وأبي محمد الأعرابي، وإنما كان يذكر مواضع الصواب أيضاً، ولا أدل على ذلك من هذا المثال الذي جاء في بيت الحماسة القائل:

إذا كنت لا أرمي وترمى كنانتي ... تصب جائحات النبل كشحي ومنكي

فقد أثبت النمري روايته على هذا النحو وهي رواية شيخة أبي رياش الذي نقلنا شرحه للبيت فيما سبق، ولكنه أشار إلى رواية أخرى للديمرتي فقال: "وفي كتاب الديمرتي "جانحات النبل" بالنون أي كاسرات الأجنحة" ثم عقب مستحسناً هذه الرواية مفضّلاً إياها على رواية شيخه التي أثبتها قال: "وهذه الرواية أحب إليّ، فانه قلّما يقال: رماه بسهم فاجتاحه، على تلك الرواية، ومعنى جانحات عندي ما جنح منها إليه أي مال".

كذلك لا يبدو من عمل النمري أنه كان في منهجه تجميعياً انتخابياً على نحو ما رأينا عند التبريزي وإضرابه، ولا علمياً تخصصياً مثل ابن جني وغيره من ذوي المنهج العلمي التخصصي، كما أنه لا يبدو من شرحه أختصارياً تسهيلياً يسلك سبيل أصحاب المنهج الاختصاري التسهيلي الذين يعرضون عناصر الشرح في سهولة

<<  <   >  >>