أما في عنصر المعاني فالحق أن النمري قد قدم جهداً محموداً في استخلاص معاني النصوص الواردة في الحماسة، وذلك وفق ما سمعه من السابقين، ووفق ما خطر له من خواطر فيها، ولقد لاحظنا له لمحات مشرقة في هذا الخصوص تنم عن فضله وعلمه، ولقد تجلت معالجته للمعاني في عدة نواح، ففي ناحية نراه ينقل الأقوال التي سمعها في المعنى ويفاضل بينها ويضيف إليها ما يكملها ويوضحها، وذلك مثل عمله في بيت ابن زيابة القائل:
الرمح لا أملأ كفي به ... واللبد لا أتبع تزاوله
فقد نقل في معنى صدره ما سمعه لابن السكيت وهو قوله:"أقاتل بالرمح وغيره وإذا اقتصر على الرمح فكأنه قد ملأ يده فشغلها عن غيره" ثم أشار إلى معنى آخر قال: "وقال غيره: معنى لا أملأ كفي به أي أطعن به اختلاساً كقول الآخر:
لبيقاً بتصريف القناة بنانيا
ثم فاضل بين المعنيين فقال: "والقول قول ابن السكيت" ثم أضاف إليه معنى عجز البيت فقال: "وقوله واللبد لا أتبع تزاوله أي أنا فارس فإذا مال اللبد لا أميل معه".
وفي ناحية أخرى نراه يقدم للمعنى بشرح الألفاظ ثم يعرضه في أسلوب سهل واضح، فإذا عرضه عمد إلى توضيح ما يؤكده ويقويه، ومن أمثلة ذلك ما جاء عنه في بيت زميل بن أبير الوارد في باب الهجاء وهو:
ولست بربل مثلك احتملت به ... حصان نأت عن فحلها وهي حائل
فقد بدأ عمله فيه بشرح الألفاظ قال: "الربل ضروب من النبات تتقطر بالورق من غير مطر، وإنما يكون ذلك عند طلوع سهيل من برد السحر، والجمع