للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا تبلى بسالتهم وان هم ... صلوا بالحرب حينا بعد حين

ثم قال: "ويروى إلا بعد حين" ويروى تبلى وتبلى وكلاهما من البلى، تكون البسالة فاعلة ومفعولة وهي الشجاعة، وأصله أن يكره الرجل وجهه" ثم وضح معنى آخر للفعل" تبلى "قال: وتبلى أيضاً من قولهم بلوت الشيء إذا اختبرته" ثم مضى مناقشاً الروايتين "حيناً بعد حين" و "إلا بعد حين" وفق هذين المعنيين قال: فمن جعله من البلى روى "حيناً بعد حين" لا غير، أي شجاعتهم باقية غير بالية وان تكررت الحرب زماناً بعد زمان، ومن جعله من الاختبار كانت الروايتان "حيناً بعد حين" و "إلا بعد حين" على معنيين أحدهما: أنهم لا تعرف لهم بسالة في الحرب أي لا يعبسون وجوههم فيها إلفا لها واستهانة بها، والمعنى الآخر إنهم لا تعرف لهم بسالة إلا بعد حين".

ومثل ذلك أيضاً ما جاء عنه في رواية بيت أبي عطاء السندي وهو:

ذكرتك والخطي يخطر بيننا ... وقد نهلت منا المثقفة السمر

فقد فسره بقوله: "يقول: ذكرتك في هذه الحالة الفظيعة التي لا يذكر فيها إلا من غلب على القلب، ولم تشغلني عنك مراس الحرب" ثم عرض لرواية أخرى فقال: "ووجدت في نسخة "وقد نهكت ونهكت منا المثقفة" من قولك: رجل منهوك إذا أخذ منه المرض أي تحطمت الرماح بأيدينا". ثم مضى مفاضلاً بين الروايتين بناء على المعنى فقال: "والأول أحسن ألا ترى أن ذكره لها وهو مطعون أحسن منه وهو طاعن" ثم نظر إلى معنى آخر فقال: "فان أراد بقوله نهكت منا أي طعنا بها إلى أن نهكت فالمعنى فيه وفي نهلت واحد".

فلا شك أنك تلحظ في هذين المثالين أن النمري كان دقيقاً في نظره إلى الرواية واختلافها من جهة والى المعنى ومراد الشاعر من جهة أخرى. وانه كان يحاول في فنية محكمة الربط بين الاثنين معاً في عمله في صورة تشهد له بالإبداع.

<<  <   >  >>