للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا البيت الذي نسبه أبو تمام لبعض بني قيس بن ثعلبة، وقيل: هو لبشامة بن حزن النهشلي وهو:

بيض مفارقنا تغلي مراجلنا ... نأسو بأموالنا آثار أيدينا

فقد بدأ بعرض المعاني التي سمعها ممن سبقه في قوله: "بيض مفارقنا" ثم قال: "ولاح لي في هذا البيت ثلاثة أوجه لم أسمعها فيه من قبل، أحدها أن العرب تزعم أن الكرام تشيب مفارقها ومقادم رؤوسها أول شيء، وان اللئام تشيب مآخر رؤوسها قبل مفارقها" ودعم هذا المعنى بما أنشده ابن الأعرابي من قول القائل:

وشبت مشيب العبد في نقرة القفا ... وشيب كرام الناس فوق المفارق

ثم أورد الوجه الثاني فقال: "والمعنى الثاني أن تكون المفارق ها هنا مفارق الطرق والواحد مفرق فيقول: الطرق إلينا بيض واضحة لكثرة من يغشانا من ضيف ومسترفد ومستنجد" ودعم هذا بقول أحدهم يصف طريقاً:

يركبت عوداً واضح السلائق ... أبيض خراجاً من المضائق

ثم عرض الوجه الثالث فقال: "والمعنى الثالث أن العرب إذا أسرت الرجل وأرادت المنة عليه جزت ناصيته وأطلقته فيقول: نحن لن نؤسر فتجز نواصينا فتدنس مفارقنا لقربها من النواصي، ودعم هذا المعنى بقول الخنساء:

جززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنون أن لن تجزا

وإذا كان أبو عبد الله النمري قد قصر جهده على الرواية وعلى معاني الشعر فان تعرضه للقاسم الديمرتي كان من خلال هذين الجانبين فهو في ثنايا عمله في روايات النص يعرض لما اعتمده الديمرتي في متنه مستحسناً تارة - كما رأينا فيما سبق - ومنتقداً تارة أخرى، وذلك كما في بيت زويهر بن الحارث فقد أثبت روايته هكذا:

ألم تر أني يوم فارقت مؤثراً ... أتاني صريح الموت لو أنه قتل

<<  <   >  >>