للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الشعر بشراحه لم تنقطع أيضًا ثم قال: "كان الشرح في بدايته جزءًا لا يتجزأ من عصب الرواية فلم يكن حتى هذا العهد - عهد هؤلاء العلماء الأوائل - قد استقل فن الشرح ووضحت سماته، وأصبح علمًا قائمًا لذاته له مقوماته خصائصه الفنية والعلمية، وإنما كان الشرح غير مقصود لذاته بل يأتي عرضًا، تأييدًا لرواية، وتسجيلًا لحدث وتوضيحًا لغرض، وتفسيرًا للفظ وكل ذلك في نطاق الرواية الأدبية الخالصة، وكأن هذا الشرح من صميمها وجزء متمم لها لا تستقيم إلا به".

ولكن إن كان الشرح غير مقصود لذاته لدى هؤلاء العلماء فإنه بحق قد خطا على أيديهم خطوة أدت إلى توسع في عناصره، فقد رأيناه قبل الإسلام وبعده يقف عند تفسير الألفاظ أو توضيح صورة من صوره، أو إيراد خبر يتصل به، فهو عند هؤلاء لم يقف عند الألفاظ، وإنما تجاوز ذلك إلى مجمل المعنى للبيت، كما برز فيه ذكر مناسبات الشعر التاريخية وأخبار أصحابه، بل تجاوز ذلك كله إلى البحث في عيوبه والحكم على الشعراء والمفاضلة بينهم.

والأمثلة على جميع ذلك كثيرة متعددة، ففي تفسير معنى البيت وإيراد مجمل معناه نجد أبا عمرو بن العلاء يقول في بيتي الحارث بن حلزة:

إن إخواننا الأراقم يغلو ن علينا وفي قولهم احفاء

زعموا أن كل من ضرب العيـ ر موال لنا وأنا الولاء

"إن اخواننا يضيفون إلينا أذنب من اذنب إليهم ممن نزل الصحراء وضرب عيرًا، ويجعلونهم موالي لنا". كما نجد المفضل الضبي يقول في بيت شداد بن معاوية العبسي:

قتلت شراتكم وحسلت منهم حسيلًا مثل ما حُسل الوبار

"الحسيل الرديء، يقول: أنفيت شراركم وقتلت خياركم وأبقيت رذالكم"،

<<  <   >  >>