وإذا كان هذا حال الكتب في عصر المرزوقي وابن فارس، فليس ببعيد أن ينتقل شرح المرزوقي حال فراغه منه إلى الري حيث يعيش ابن فارس، وأن يقرأه ابن فارس ويفيد منه ما دام يدخل في دائرة اهتمامه. وكان ابن فارس امامًا في اللغة، وكان ديوان الحماسة مشغل علماء اللغة منذ ابن جني إلى عصر العكبري وما تلاه.
وأما أن ابن فارس كان يهون من شأن الحماسة وصاحبها فلا أظن أن الأمر كذلك، ولقد استنبط الدكتور عسيلان هذا الحكم من رسالة كان ابن فارس قد أرسلها إلى محمد بن سعيد الكاتب، حين أنكر على أبي الحسن محمد بن علي العجلي تأليفه كتابًا في الحماسة بعد حماسة أبي تمام، وهو في رأيي استنباط غير سليم لأن الرسالة ليست تهوينًا من شأن الحماسة وأبي تمام بقدر ما هي اعتراض على إعجاب مفرط صدر من محمد بن سعيد الكاتب بحماسة أبي تمام وإنكاره على الآخرين التأليف في الاختيار الشعري على نحو أبي تمام، وابن فارس يريد من صاحبه ألا يغالي هذه المغالاة. ومن ثم يصبح من المجحف حقًا حين نقرأ الرسالة أن نقول: إن ابن فارس كان يهون من شأن أبي تمام وحماسته.
أما أن الذين ترجموا لابن فارس لم يذكروا له شرحًا في الحماسة، فما أكثر الكتب التي لم يوردها أصحاب التراجم لمن ترجموا لهم. وربما كان إهمالهم لذكر شرح ابن فارس ناتجًا عن أنه لم تكن له أهمية تذكر. وقد أكد هذا الدكتور عسيلان نفسه حين وصفه بأنه مجرد تعليقات على الحماسة. وأما أن صاحب كشف الظنون لم يذكره في ثبته فليس هو الشرح الوحيد الذي غفل عنه صاحب كشف الظنون، فهو قد أورد ٢٢ شرحًا فقط، وفاتت عليه جملة من الشروح ذكرتها المراجع الأخرى مثل شرح النمري وأبي العلاء والطبرسي وسبط بن الجوزي وغيرهم ممن لا يوجد لهم ذكر في ثبت حاجي خليفة، ولو وقف الدكتور عسيلان على الورقة (٩٣) من مخطوطة الشرح نسبته لزيد بن علي الفارسي لما أنكر أن لابن فارس شرحًا في الحماسة،