للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نجد بعض شعراء بني أمية وبني العباس يستخدمون في لغتهم الشعرية ألفاظًا غير عربية دفعهم إلى استخدامها التطور الهائل الذي حدث في المجتمع العربي الإسلامي نتيجة للامتزاج الاجتماعي والحضاري والفكري بين العرب وغيرهم من الأجناس الأخرى، وهو امتزاج - بلا شك- قد حقق آثارًا بالغة بالخطورة لا في اللغة الشعرية فحسب بل في موضوعات الشعر ومضامينه وما يقوم عليه من مبان وأشكال. ومن هنا كان عمل الشارح الذي يشرح شعرًا جاهليًا غير عمل الشارح الذي يشرح شعرًا قيل في عصر بني أمية أوع صر بني العباس أو بعبارة أخرى الذي يشرح شعرًا محدثًا، لأن شرح الشعر المحدث لا يتطلب معرفة دقيقة باللغة وأسرارها، والنحو ومشكلاته، والصرف واشتقاقاته، والأخبار التاريخية وعلاقتها بالنص، والبيئة وما فيها من مواضع صامته ومتحركة. إنه يتطلب فوق ذلك الذوق الأدبي العالي والإحساس الرفيع بالجمال الفني، والإلمام التام بأساليب الشعراء وطرائقهم في التعبير، وتوليدهم للمعاني ممن سبقهم، ثم ربط ذلك كله بثقافة عالية تجعل صاحبها يدرك ما طرأ على الناس من جديد حضارة ونشوء فكر، ورقي اجتماع، إلى غير ذلك من الأمور التي كان لها تأثير واضح في ثقافة الشاعر المحدث وأفكاره ووجدانه بل ولغته الشعرية.

ومن اجل هذا الاختلاف بين أدوات عمل شارح الشعر الجاهلي من غير رأينا ابن جني، وهو من نعلم في فهلم اللغة وأسرارها والقدرة على شرح الشعر غير المحدث، يقصر قصورًا واضحًا حين شرح ديوان أبى الطيب، المتنبي، قصورًا يجعلنا نصاب الدهشة حين نراه يعجز عن إدراك مراد أبي الطيب في قوله:

تَبُلٌّ خَدَّيَّ كُلَّما ابتْسَمَتْ مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَاَيَاَهَا

فيفسر هذا المطر بريق الحبيبة الذي يتطاير من فمها إذا ضحكت.

<<  <   >  >>