للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس معنى هذا أن الأحكام الشرعية كلها قابلة لتغير الفتوى بها بتغير الزمان والمكان والعرف، بل هذا كائن بالنسبة للأحكام الإجتهادية المتعلقة بالمعاملات أو الأحوال المدنية من كل ما له صلة بشؤون الدنيا وحاجات التجارة والإقتصاد، أما الأحكام التعبدية والمقدرات الشرعية وأصول الشريعة الدائمة فلا تقبل التبديل مطلقًا مهما تبدل المكان وتغير الزمان" (١).

ويقول ابن قيم الجوزية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:

"والأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها. لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة: كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكاناً، وحالًا: كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة؛ فشرع التعذيب بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة، فعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم. ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاقتلوهم" (٢).

وهذا الذي قرره ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- قرره غيره من المحققين في المذاهب الأخرى: كالِإمام القرافي المالكي في كتاب (الفروق) وغيره


(١) انظر: الخصائص العامة للإسلام ص ٢٢٣ - ٢٣٤.
(٢) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ١/ ٣٣١، طبع مكتبة السنَّة المحمدية بمصر، سنن ابن ماجه ٢/ ٨٩، رقم الحديث ٢٦٠١ - باب ١٧ من أبواب الحدود، الطبعة الثانية ١٤٠٤ هـ مطابع الشركة العربية السعودية الرياض.

<<  <   >  >>