«المسألة السابعة والخمسون»: ينبغي لأهل الفضل أن يقدروا قدر من له قدر، ويعرفوا الفضل لأهله، ولا يبخسوا الناس مقاماتهم، ويترفَّعوا عليهم بالإفك والبهتان، انظر هذه المسألة، وتأمَّل فيها؛ تعرف الفرق بين أهل زماننا وبين من مضى زمنهم.
قال العلامة ابن العربي في «أحكامه»: أخبرني محمد بن قاسم العثماني غير مرة، قال: وصلت الفسطاط، فجئت مجلس أبي الفضل الجوهري، فكان ممَّا قال: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طلق وظاهر وآلى]. فلما خرج؛ تبعته حتى بلغ منزله في جماعة، فجلس معنا في الدهليز، وعرفهم غيري؛ فإنه رأى شارة الغربة، فلما انفضَّ عنه أكثرهم؛ قال لي: أراك غريباً، هل لك من كلام؟ قلت: نعم؛ قال لجلسائه: أفرجوا له عن كلامه، فقاموا، فقلتُ له: حضرتُ المجلس متبركاً بك، وسمعتُك تقول:«آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وصدقت، و «طلَّق»، وصدقت، و «ظاهر»، ولم يكن، ولا يصح أن يكون؛ لأن الظهار منكر من القول، وزور، وذلك لا يجوز أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم، فضمَّني إلى نفسه، وقبَّل رأسي، وقال: أنا تائب من ذلك، جزاك الله من معلم خيراً.
ثم انقلبتُ عنه، وبكرتُ في الغد إليه، فألفيتُه قد جلس على المنبر، فلما دخلتُ الجامع ورآني؛ ناداني بأعلى صوته: مرحباً بمعلمي، أفسحوا لمعلِّمي، فتطاولت الأعناق إليَّ، وتحدَّقت الأبصار نحوي، وتعرفُني يا أبا بكر «يشير إلى عظيم حيائه؛ فإنه كان إذا سلم عليه أحدٌ أو فاجأه بكلام؛ خجل، واحمرَّ كأن وجهه طلي بجلنار (١)».
قال: وتبادر الناس إليَّ يرفعونني على الأيدي، ويتدافعونني، حتى
(١) قال في (القاموس): (الجُلَّنار بضم الجيم وفتح اللام المشددة: زهر الرمان).