لمّا قعدت لأكتب هذه المقالة خطرت لي خاطرة كثيراً ما تعاودني كلما أردت أن أهيّئ محاضرة أو أكتب مقالة، هي: ماذا أكتب، وماذا أقول؟
حينما أكتب في الأدب وللأدب يكون الجواب حاضراً، وهو أني أكتب لإمتاع الناس، ولأبقي لي أثراً لعلي أمشي به يوماً في ذيل قافلة الأدباء. ولكنني لا أكتب الآن للأدب، فلماذا أكتب؟
لأعلّم الناس؟ الناس لا ينقصهم العلم بل العمل، لا أعني العلم بتفاصيل العلوم ودقائق الأحكام، فهذا مما يحتاج أكثر الناس إلى تعلمه، ولكن أعني الحقائق الخُلُقية الكبرى: الصدق والكذب مثلاً، هل يجهل أحد أن الصدق خير وأن الكذب شر؟ هل يقول أحد إن القتل أو الزنا أو الربا أمر حسن مشروع؟ ألا يعلم الناس جميعاً أن هذا كله شر؟ شارب الخمر، هل يعوّد عليها ولده؟ بل هل يعوّد المدخِّنُ ابنَه على التدخين، يقول له: خذ يا بابا اسحب سحبة، تعلّمْ كيف تدخن؟ بل إنه إذا رأى الدَّخينة (السيكارة) في يده أخذها منه ونهاه عنها.