أصفق له وأعدّه مع العباقرة الخالدين، لأنه استطاع أن يصف هذه الأعمال بكلام بليغ؟
إن كان هذا هو الأدب فاشهدوا عليّ أني طلقت الأدب طلاقاً ثلاثاً لا رجعة فيه، وسامحكم الله بالسنين الأربعين التي أنفقتها في تحصيله وفي صنعه.
لعنة الله على الشعر الجميل والوصف العبقري إن كان لا يجيء إلا بذهاب الدين والفضيلة والعفاف، وعلى كل أديب يُفسد عليّ ديني ويَذهب بعرضي ويحقّر مقدساتي ليقول كلاماً حلواً. وهل تعوّض عليّ لذتي بحلاوة الكلام، الدينَ الذي فسد والعرضَ الذي ذهب والمقدسات التي مُرِّغت بالوحل والتراب؟ (١)
* * *
(١) انظر مقالة «نحن المذنبون» في كتاب «صور وخواطر»، وفي هذه الكلمة القصيرة شَبَه بها، إلا أنها إشارة موجزة وتلك مقالة موسَّعة، وفي آخرها قال: "نحن الكثرة الكاثرة، نحن الذين نملك الأموال والعقول والألسنة والأقلام، ونملك هذه المنابر التي تستطيع أن تهز الأرض، إذ علاها رجال لا أشباه الرجال! فإذا بقينا على هذا الصمت، وهذا الضعف، وهذه العبودية، كنا مستحقين أن نُصفَع على وجوهنا كل يوم، لا بالكتب بل بالنعال"! وتلك المقالة صرخة نذير وهتاف تحذير، وقد كان من حقها أن يضمها هذا الكتاب لولا أن الأمر سبق فيها، فمن أجل ذلك أحببت أن أثبت هنا هذه الكلمة القصيرة -على ما فيها من إيجاز ومن مشابهة لتلك المقالة- لأذكّر القراء بها فيرجعوا إليها. واقرؤوا معها أيضاً في الكتاب نفسه مقالة «نداء إلى أدباء مصر»، والمقالتان تصدران عن همّ واحد ويجمعهما جامع واحد (مجاهد).