الأدلّة التي كان المدرّسون في المدرسة يُجهدون بها نفوسهم، وتلك الدلائل التي يسوقونها يزعمون أنهم يثبتون بها وجود الله، فلم يكن لها أثر في نفسي ... اللهمّ إلا أثراً سيئاً، هو أنها غرست في عقلي بعض الشكوك وجرّأته على البحث فيما لا يحسنه العقل ولا يناله علمه ولا تبلغه طاقته.
لذلك عزمت حين تسلمت درس الدين على أن أجتنب مثل هذه المناقشات في وجود الله وتفسير القدَر أو ما يشبه ذلك من الأمور الغيبية، وأن أعمد إلى تنبيه الإيمان في نفوس التلاميذ من طريق القلب لا من طريق العقل، وأن أُفهمهم حقيقة التوحيد قبل أن أشتغل معهم بفروع الفقه أو حكمة التشريع أو مسائل التفسير، فإذا عرفوا الله حق معرفته لم يعبدوا سواه، ولم يتبعوا مع أمره هوى ولا دفعهم إلى ارتكاب ما حرّم دافع.
هذا هو أساس الدعوة إلى الإسلام. ولا نزعم أننا جئنا بشيء جديد حين قلناه، لأنه هو الأساس الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو رأس الأمر ومِلاكه، لم يبعث الله من رسول إلا لإرشاد الناس إليه.
وليس معنى التوحيد أن يعتقد الإنسان بأن لهذا العالم خالقاً وأنه قديم باق متصف بصفات الكمال منزَّه عن أضداده، فهذا شيء فطري في الإنسان لا يستطيع نزوعاً عنه ولا انفكاكاً منه. وهذا شيء مقرَّر عند العلماء، حتى إن دوركايم يقول في وصف الإنسان إنه «حيوان متديّن»(مقابَلة لقولهم: الإنسان حيوان اجتماعي). وليس في الناس من ينكر وجود إله لهذا الكون إنكاراً