للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنا رجل من المُخَضْرَمين، عرفت هذه البلاد قبل أن تتصل بها الحضارة الغربية، وعرفتها بعدها. لقد عرفت دمشق وما فيها سيارة واحدة، وما فيها إلا عشرون داراً فيها الكهرباء، وليس فيها إلا شارع واحد شقّه جمال باشا سنة ١٩١٦، أما الرادّ (الراديو) والرائي (التلفزيون) وأمثالهما فلم يكن قد اختُرع من ذلك شيء.

وزرت جدة أيام كانت جدة محاطة بسور له أبواب تغلق كل عشيّة وتفتح في النهار، ولا يدخل إليها ولا يخرج منها إلا من هذه الأبواب، وعرفتها وقد أوشكت أن تصير مثل الإسكندرية أو بيروت. وعرفت الرياض سنة ١٩٣٥، والرياض التي ترونها الآن ... وإني لأفكر وأوازن بين الحالين وأسأل نفسي: هل ربحنا أم خسرنا؟

أي الفريقين أهدى وأصوب رأياً: من يريد منا أن نأخذ بهذه الحضارة أخذاً كاملاً، أم من يريد أن نتركها وننصرف عنها؟

الحق بين الفريقين، فلا هؤلاء على حق ولا هؤلاء؛ لقد ربحنا باقتباسنا من هذه الحضارة وخسرنا، وكل شيء في الدنيا فيه ربح وفيه خسارة. إن هذه الحضارة ليست شراً محضاً، وليست كذلك خيراً محضاً، فالقول بأن نتركها كلها مردود، والقول بأن نأخذها كلها مردود.

وهل نستطيع أن نتركها بعدما انغمسنا فيها وصارت هي عماد حياتنا؟ إن من يطلب ذلك يطلب ما لا يكون. ولو نحن استطعنا تركها فهل من المصلحة أن نتركها؟

أيريد هؤلاء أن نغلق المستشفيات ونطرد الأطباء، وأن نلغي

<<  <   >  >>