ويُخرج الأضداد. فمن هو العربي؟ إن دعاة القومية لم يتفقوا إلى الآن على جواب هذا السؤال (١).
هل العربي عربي النسب؟ وأين إذن سلسلة نسب الريحاني إلى العرب؟ ومن أي القبائل العربية هو؟ بل مَن منّا -نحن عرب الأمصار في مصر والشام وأكثر البلدان- يستطيع أن يعدّ من أجداده إلى أبعد من الجد الرابع أو الخامس؟ وإذا أخذنا هذا المقياس ألا نُخرج طائفة من أعلام العربية في الأدب وفي التاريخ من عروبتهم؟ ألا يكون بشّار شاعراً فارسياً، وابن الرومي يونانياً؟ بل لو أخذ الفرنسيون بهذا المقياس ألا يجدون أن جان جاك روسو سويسري؟ ولو قبله الإنكليز ألا يرون أن ملوكهم ألمان جرمانيون ليسوا أصلاً من الإنكليز؟
قد تقولون إن هذه عرقية (راسيزم) لا قومية، فمَن هو العربي في شرع القومية؟ إن قلتم إنه الذي يتكلم العربية ويعرف تاريخها وعاداتها، عددت لكم من غير العرب من يجمع هذا كله وهو فرنسي أو إنكليزي، كالمستشرق كرينكو مثلاً، أو لورنس أو غلوب. فيقولون: لا بد أن يشعر بشعور العرب، فنقول: إن المقاييس الاجتماعية والشروط القانونية لا تعتمد على الخفايا وعلى ما يُكِنّ الضمير، بل على حدود ظاهرة، فمن أين نعرف ما يشعر به المرء وما يضمره في نفسه إن لم ينطق به بلسانه أو يكشفه بعمله؟
* * *
(١) انظر مقالة «من هو العربي؟»، وهي في كتاب «فصول في الثقافة والأدب» الذي صدر من وقت قريب (مجاهد).