أذكّركم أولاً أن الجواب ليس متروكاً لنا، لآرائنا وأهوائنا، بل هو شيء قرّره كتاب ربنا، فمَن عَدَل عنه أو عدَّل فيه خرج من الدين. الأخوّة في القرآن أخوّة الإيمان، ليس عندنا شيء اسمه أخوة العروبة كما كان يقول مذيع صوت العرب، لأن رابطة الإيمان أقوى عندنا من رابطة النسب والدم.
وأنتم تعرفون أن الله وعد نوحاً أن ينجّي له أهله، فلما دعا ولده ليركب معه في سفينته مع القوم المؤمنين أبى وأعرض، وظن أنه يجد جبلاً يأوي إليه يعصمه من الماء، فلما كان من المُهلَكين قال نوح:{رَبِّ إنّ ابْنِي مِنْ أهْلي وإنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ}، فقال له الله رب العالمين:{يا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ، إنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالح}. فهل تكون الرابطة بيننا وبين صاحب الكتاب المفتوح أقوى من رابطة الأخوّة والبُنُوّة بين نوح وولده؟ فإذا رفض الله هذه الرابطة وأباها على نوح، الأب الثاني للبشر، فهل يقرّنا عليها؟
* * *
إن هذه ليست مناقشة في مذهب أدبي ولا في قضية اجتماعية، ولا هي رأي لنا نتبنّاه أو نتبرأ منه؛ إنها مسألة دين. ونحن نجامل نصارى العرب الذين لم يقاتلونا في ديننا ولم يُخرجونا من ديارنا ولم يُظاهروا علينا، ونبرّهم ونقسط إليهم، ولكننا لا نرضى أن نبذل في هذه المجاملة ذرة من ديننا أو من عقيدتنا، فنبوء بغضب الله وعذاب الدهر كله، وندخل جهنم إكراماً لخواطرهم وحباً بعيونهم ... لا والله، ولا كرامة! إن بذل الدنيا وما فيها من مال ومتاع يُعَدّ كرماً، ولكن بذل الدين حماقة