دقَّ وصَغُر، والإحساس بالخطر مهما خفي وبَعُد؛ فكان من دأبه أن ينبّه الناس إلى الخطر قبل أن يدنو منهم الخطر، ويحذّرهم من السيل قبل أن يدهمهم السيل، وكان كالمنارة التي تصرف السفن عن اقتحام صخور البر في الليلة العاصفة الظَّلْماء، أو الشعاع الذي ينير الطريق للجَمْع المضطرب في الفتنة الغاشية الدَّهْماء، وكان في قومه النّذيرَ العُرْيان.
* * *
وبعد، فهذا هو الكتاب السابع الذي وفّقَ الله -بفضله وكرمه- إلى إصداره بعد وفاة جدي رحمه الله. ولئن كنت قد اخترت له هذا العنوان، «فصول في الدعوة والإصلاح»، فإنني أعترف بأن ما فيه من أحاديث ومقالات ليس سوى عينة صغيرة مما أنفقه في حياته من جهد في الدعوة وفي الإصلاح. ولو أنّي توسعت لجعلت عنوان هذا الكتاب اسماً جامعاً لمؤلَّفات علي الطنطاوي كلها، بل لكتبه وأحاديثه وخطبه ومحاضراته جميعاً؛ فهو كان داعياً مُصلحاً في كل ما حدّث وحاضر وخطب وكتب.
وقد جمعت مادة هذا الكتاب من مقالات نُشرت في الصحف والمجلات وأحاديث أُلقِيَت على المنابر أو أُذيعَت في الإذاعات بين عامَي ١٩٣٦ و١٩٩٠، أي في مدى يزيد على نصف قرن من الزمان، وبعض مقالاته كتبها جدي رحمه الله ثم لم يُذِعْها ولم ينشُرْها قط.
وكما يحصل معي في كل مرة، وجدت -وأنا أُعِدّ مادته وأرتّبها- مقالات وأحاديث عديدة فيها مشابَهة وتكرار، فاخترت