حكاية قص الشعور هذه التي يُكثر ابن الجوزي من ذكرها.
وما أريد أن أجعل هذه المقالة عن ابن الجوزي، فمن شاء رجع إلى مقدمتي لكتابه «صيد الخاطر»(١) فقرأ ما كتبته عنه. كنت أحسب ما ذكروه عن عدد المستمعين لابن الجوزي مبالغة، ولكني أجد اليوم أنه صار من المشاهد المألوفة أن المستمعين إلى أصغر محدِّث في الإذاعة يبلغون الملايين.
لم تكن في الأيام الخالية هذه المكبِّرات للصوت، ولا هذه الإذاعات التي صارت منبراً للمصلحين وللمفسدين، وللمعلمين وللمطربين، ولمن يذكّر الناس بربهم ولمن يصرفهم عن ذكر ربهم.
وأنا أعرف إذاعة المملكة من يوم أُنشئت أنها أُنشئت ليقول المحدّث فيها كلمة الصدق ويجهر منها بدعوة الحق، أُنشئت ليهدم المحدِّث فيها ويبني: يهدم الجدار المائل، لكن لا يتركه كومة من التراب بل يبني مكانه جداراً جديداً قائماً قوياً. يقتلع من الأرض النبات الخبيث والشوك المؤذي، ولكنه لا يدع مكانه أرضاً قاحلة بل يزرع فيها أفانين النبات، لينعم الناظر بألوان الورد والزهر وينتفع الطاعم بأنواع الثمر.
(١) الذي أنبّه هنا إلى أنه كتاب عظيم، فيه منفعة وفيه متعة، فيه دنيا ودين، فيه أدب وتاريخ، وهو في فقرات قصار كأنها اليوميات التي تُنشَر في الجرائد هذه الأيام (وأقدمها في مصر يوميّات الصاوي: «ما قلّ ودلّ»، وفي الشام يوميات يوسف العيسى في جريدة ألف باء قبل ستين سنة).