والذي لا يخرج إلا من اللسان لا يجاوز الآذان. ورب كلمة تسمعها من عامي جاهل تهزك هزاً وتبعث في قلبك الخشوع وتسيل من عينيك الدموع، وخطبة طويلة حوت جواهر البلاغة ودرر البيان تسمعها فلا تحرك منك شعرة واحدة. فالذي يطلبه الناس من الواعظين (ومني إن كان لي شرف الدخول في زمرة الواعظين) أن يحاولوا وعظ أنفسهم قبل موعظة الناس.
والذي يُطلَب من السامعين: أن يسمعوا هذه الأحاديث من الإذاعة ليعملوا بها، لا ليتخذوها تسلية ويقطعوا الوقت بسماعها، وأن يبدأ كل واحد منهم بنفسه فيصلحها. إذا أصلح الأب نفسه وراقب الله وكان معه بقلبه كان الله معه، فسخّر لطاعته زوجته وولده. وليكن بفعله أوعظ منه بقلبه، فلا يقل لأولاده اصدقوا وهو كاذب، ولا يأمرهم بالصلاة وهو لا يصلي، ولا ينهاهم عن الحرام وهو يفعل الحرام.
فإذا تاب الأب من ذنبه وأصلح ما بينه وبين ربه، فليلتفت إلى أسرته فيحاول إصلاحها، فإن الأمة مجموعة من الأسر، فإذا صلحت الأسر صلحت الأمة، والله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
فإذا بدأ كل سامع بنفسه فأصلحها وألزمها السير على طريق الشرع ولو خالف هواه ورغبة نفسه وأعراف مجتمعه (أعني التي تخالف الدين)، وقدّم طاعة الله وابتغاء رضاه على متابعة الناس وطلب رضاهم، وإذا عزم المحدِّث عزماً صادقاً على التوبة، وبدأ بنفسه فوعظها فتاب من ذنبه، وعزم السامعون على العمل بما