إنها قد قست القلوب، وغلب عليها حب الدنيا وملأتها مشاغل الحياة وهمومها ولذاتها، فلا بد من أن نحتال عليها حتى نذكّرها بربها وبآخرتها، وأن ندور من حولها لنجد الباب الموصل إليها.
ما خلق الله قلباً مغلقاً، بل جعل لكل قلب مدخلاً. والمداخل شتّى: فمن الناس من تدخل إليه من باب الترغيب، أو من باب الترهيب، ومن ينفعه الدليل العقلي، ومن يفيده الحافز العاطفي ... ومن المحدّثين من يُعرِض عن هذا كله، لا يفكر فيه ولا يلتفت إليه، ويحسب أن المطلوب منه مجرد الإخبار بأن هذا الفعل يُدخل الجنة وذاك يستحق صاحبه النار.
ومَن مِن الناس يجهل أن الصدق خير، وأن الكذب شر، وأن الأمانة أفضل من الخيانة، وأن من يمشي مُكِبّاً على وجهه ليس كمَن يمشي سَوِيّاً على صراط مستقيم؟
إن هذه الحقائق الكبرى يعرفها الناس كلهم، حتى من يرتكب المعاصي. من يشرب الخمر هل يعوّد عليها ولده؟ بل خذوا مثالاً أقرب، خذوا المدخّن الذي لا تنفك أصابعه ممسكة بالدخينة، يطفئها بعد أن أشعل الأخرى منها، إذا رأى ولده يأخذ دخينة من علبته، هل يشجّعه عليها ويقول له: خذها! أم يبعده عنها ويلومه عليها؟ ذلك لأنه يعلم أنها شر، ولكنه يزعم أنه لا يستطيع الخلاص منه.