بلاغية» لأنه يتصل بأهم وسائل التعبير وصياغة الكلام. وليس أدل على ذلك من أنّ المتحدث أو الأديب لا ينطلق فى تصوير نفسه وعرض أفكاره إلّا من خلالها. فالخبر والإنشاء، والتعريف والتنكير، والذكر والحذف، والتقديم والتأخير، والقصر، والفصل والوصل، والإيجاز والإطناب والمساواة، وخروج الكلام على مقتضى الظاهر- عمدة الكلام وزاد المنشئين.
والدرس النحوى أولى بهذه الموضوعات لولا انصراف النحاة إلى العناية بالإعراب والبناء، والعوامل والتقديرات مما أبعد النحو عن هدفه وأحاله قواعد لا روح فيها. وسنظل نؤمن بأن هذه الدراسة من البلاغة حتى تعود إلى النحو أصالته وحتى نجد أساتذة النحو يغيّرون طرق تدريسه ويعنون بالأساليب البلاغية كعنايتهم بالقواعد والإعراب.
إنّ دراسة الأساليب والوقوف عندها تفتح السبيل أمام الأديب مادام يكتب باللغة العربية، وهى لغة عريقة تشعبت
فنون التعبير فيها وأصبحت طيعة لمن تعمق فيها وفهم أسرارها، ولن يكون المنشئ أديبا إذا نأى عن لغته وضرب عن أساليبها صفحا، وإنّه لمن أعجب العجب إذا لم ير فى الخبر والإنشاء، والتقديم والتأخير، والحذف والذكر، والإيجاز والإطناب وغيرها- فائدة وهى أصل الكلام وعمدة التعبير. ولن يغنى ما تقدّمه الكتب المترجمة والأساليب الغربية عما تتسم به لغة الضاد، وإن كانت تضيف أبعادا جديدة وتفتح آفاقا واسعة. وستبقى الأساليب البلاغية التى عرضت لها هذه المحاضرات خالدة ما دامت اللغة العربية حية فى العقول ونابضة فى القلوب، ولن يقدر على إنكارها من سولت له نفسه وظن أنّه سبق العصر وتخطّى الزمان.
لقد سار البحث فى هذه المحاضرات كما سار فى «فنون بلاغية» ويتجلى ذلك فى أمرين:
الأول: الوقوف على تعريفات القدماء وتقسيماتهم وآرائهم.