للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجابه المبرد: «إنّ حق البلاغة إحاطة القول بالمعنى واختيار الكلام وحسن النظم حتى تكون الكلمة مقاربة أختها ومعاضدة شكلها، وأن يقرب بها البعيد، ويحذف منها الفضول» (١).

ومصطلح «البلاغة» فى هذه الرسالة لا يعنى العلم المعروف، وإنّما هو تحديد لبعض معانيها. وإذا لم نجد فيها ما

نطمح إليه فاننا نستطيع القول إنّ المبرد أول من أطلق «البلاغة» على بعض رسائله.

[العسكرى]

ويظهر مصطلح البلاغة بوضوح فى «كتاب الصناعتين» لأبى هلال العسكرى (- هـ) الذى قال: «إن أحق العلوم بالتعلم وأولاها بالتحفظ بعد المعرفة بالله- جل ثناؤه- علم البلاغة ومعرفة الفصاحة (٢)». وقال: «البلاغة من قولهم: بلغت المكان، إذا انتهيت إليها وبلغتها غيرى، ومبلغ الشئ منتهاه. والمبالغة فى الشئ: الانتهاء إلى غايته، فسميت البلاغة بلاغة، لأنها تنهى المعنى إلى قلب السامع فيفهمه، وسميت البلغة بلغة لأنك تتبلغ بها فتنتهى بك إلى ما فوقها وهى البلاغ أيضا (٣)» وأبدى رأيه فى تعريفها، وحدّدها بقوله: «البلاغة: كل ما تبلغ به قلب السامع فتمكنه فى نفسه كتمكنه فى نفسك، مع صورة مقبولة ومعرض حسن» (٤).

والبلاغة- عنده- من صفة الكلام لا من صفة المتكلم، ولذلك لا يجوز أن يسمّى الله بليغا، إذ لا يجوز أن يوصف بصفة موضوعها الكلام. وتسمية المتكلم بأنّه بليغ توسع، وحقيقته أنّ كلامه بليغ كما نقول: «رجل محكم» ونعنى أنّ أفعاله محكمة. قال تعالى: «حِكْمَةٌ بالِغَةٌ» (٥) فجعل البلاغة من


(١) البلاغة ص ٥٩.
(٢) كتاب الصناعتين ص ٦.
(٣) كتاب الصناعتين ص ٦.
(٤) كتاب الصناعتين ص ١٠.
(٥) القمر ٥.

<<  <   >  >>