ذلك ما كانت عليه نظرية النظم قبل القرن الخامس للهجرة، وليس فى أقوال الجاحظ ومن جاء بعده فكرة واضحة عنها إلا ما كان من كلام القاضى عبد الجبار الذى ربط الفصاحة بالنظم وبنى عليها رأيه فى إعجاز القرآن.
[تطور النظرية]
لقد وضحت هذه النظرية وبلغت مداها على يد عبد القاهر الجرجانى (- هـ أو هـ) الذى أطال الكلام عليها، وسمّى موضوعات التقديم والتأخير، والذكر والحذف، والقصر، والفصل والوصل، والتعريف والتنكير، معانى النحو أو النّظم. والنظم- عنده- تعليق الكلام بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض (١)، أو هو توخى معانى النحو وقد حصر موضوعاته فى قوله:«واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذى يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التى نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التى رسمت لك فلا تخل بشئ منها وذلك أنّا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر فى وجوه كل باب وفروقه فينظر فى الخبر إلى الوجوه التى تراها فى قولك: «زيد منطلق» و «زيد ينطلق» و «ينطلق زيد» و «منطلق زيد» و «زيد المنطلق» و «المنطلق زيد» و «زيد هو المنطلق» و «زيد هو منطلق». وفى الشرط والجزاء إلى الوجوه التى تراها فى قولك:«إن تخرج أخرج» و «إن خرجت خرجت» و «إن تخرج فأنا خارج» و «أنا خارج إن خرجت» و «أنا إن خرجت خارج».
وفى الحال إلى الوجوه التى تراها فى قولك:«جاءنى زيد مسرعا» و «جاءنى يسرع» و «جاءنى وهو مسرع» أو
«هو يسرع» و «جاءنى قد أسرع» و «جاءنى وقد أسرع»، فيعرف لكل من ذلك موضعه ويجئ به حيث ينبغى له.