للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان كلام القاضى عبد الجبار الأسد آبادى (- هـ) أكثر وضوحا حينما رأى أنّ الفصاحة والبلاغة تقومان على ضمّ الكلمات وتقارنها، قال:

«اعلم أنّ الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام بالضم على طريقة مخصوصة، ولا بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة، وقد يجوز فى هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التى تتناول الضم، وقد تكون بالإعراب الذى له مدخل فيه، وقد تكون بالموقع. وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع؛ لأنّه إمّا أن تعتبر فيه الكلمة أو حركاتها أو موقعها، ولا بد من هذا الاعتبار فى كل كلمة، ثم لا بد من اعتبار مثله فى الكلمات إذا انضم بعضها إلى بعض، لأنّه قد يكون لها عند الانضمام صفة، وكذلك لكيفية إعرابها وحركاتها وموقعها فعلى هذا الوجه الذى ذكرناه إنّما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون عداها.

فان قال: فقد قلتم إنّ فى جملة ما يدخل فى الفصاحة حسن المعنى، فهلّا اعتبر تموه؟ قيل له: إنّ المعانى وإن كان لا

بدّ منها فلا تظهر فيها المزية، ولذلك تجد المعبرين عن المعنى الواحد يكون أحدهما أفصح من الآخر والمعنى متفق. على أنّا نعلم أنّ المعانى لا يقع فيها تزايد فاذن يجب أن يكون الذى يعتبر التزايد عنده الألفاظ التى يعبر بها عنها. فاذا صحّت هذه الجملة فالذى تظهر به المزية ليس إلا الإبدال- الاختيار- الذى به يختص الكلمات أو التقدم والتأخر الذى يختص الموقع أو الحركات التى تختص الإعراب، فبذلك تقع المباينة. ولا بدّ فى الكلامين اللذين أحدهما أفصح من الآخر أن يكون إنّما زاد عليه بكل ذلك أو ببعضه ولا يمتنع فى اللفظة الواحدة أن تكون إذا استعملت فى معنى تكون أفصح منها إذا استعملت فى غيره، وكذلك فيها إذا تغيرت حركاتها. وكذلك القول فى جملة من الكلام». ثم قال: «وهذا يبين أنّ المعتبر فى المزية ليس بنية اللفظة، وأنّ المعتبر فيه ما ذكرناه من الوجوه. فأما حسن النغم وعذوبة القول فمما يزيد الكلام حسنا على السمع لا إنّه يوجد فضلا فى الفصاحة» (١).


(١) المغنى ج ١٦ ص ١٩٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>