وكان ضياء الدين ابن الأثير (- هـ) أوضح من السابقين تصورا وفهما للفصاحة، وقد اهتم بها اهتماما عظيما وصحّح كثيرا من الآراء فى كتابيه «المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر» و «الجامع الكبير». يقول عن الفصاحة:
«اعلم أنّ هذا باب متعذر على الوالج ومسلك متوعر على الناهج، ولم يزل العلماء من قديم الوقت وحديثه يكثرون القول فيه والبحث عنه، ولم أجد من ذلك ما يعول عليه إلّا القليل. وغاية ما يقال فى هذا الباب أنّ الفصاحة هى الظهور والبيان فى أصل الوضع اللغوى، يقال: أفصح الصبح إذا ظهر. ثم إنهم يقفون عند ذلك ولا يكشفون عن السر فيه»(١).
ولا تتبين الفصاحة بهذا القول لأنّه يعترض عليه بوجوه من الاعتراضات:
الأول: أنه إذا لم يكن اللفظ ظاهرا بينا لم يكن فصيحا، ثم إذا ظهر وتبين صار فصيحا.
الثانى: أنه إذا كان اللفظ الفصيح هو الظاهر البين فقد صار ذلك بالنسب والإضافات إلى الأشخاص، فان اللفظ قد يكون ظاهرا لزيد ولا يكون ظاهرا لعمرو، فهو إذن فصيح عند هذا وغير فصيح عند ذاك. وليس كذلك، بل الفصيح هو فصيح عند الجميع لا خلاف فيه بحال من الأحوال لأنّه إذا تحقق حد الفصاحة وعرف ما هى لم يبق فى اللفظ الذى يختص به خلاف.
الثالث: أنه إذا جئ بلفظ قبيح ينبو عنه السمع وهو مع ذلك ظاهر بين ينبغى أن يكون فصيحا، وليس كذلك لأنّ الفصاحة وصف حسن اللفظ لا وصف قبح.
فهذه الاعتراضات الثلاثة واردة على قول القائل:«إنّ اللفظ الفصيح هو الظاهر البين»، ومعنى ذلك أنّ ابن الأثير لا يأخذ بهذا القول الذى أثار حيرته فمضى يبحث عن تعريف للفصاحة، ويحقق القول فيها. وقد شرح