للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» (١)، فذكر الرحمة التى هى السبب فى إرساله إلى الخلق ودل بها على المسبب وهو الإرسال.

وعليه قول المتنبى:

أتى الزمان بنوه فى شبيبته ... فسرّهم وأتيناه على الهرم

أى: فساءنا.

وأما حذف الجملة غير المفيدة من هذا الضرب فكقوله تعالى حكاية عن مريم- عليها السلام- «قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا» (٢)، فقوله: «ولنجعله آية للناس» تعليل معلّله محذوف أى: وإنما فعلنا ذلك لنجعله آية للناس، فذكر السبب الذى صدر الفعل من أجله، وهو جعله آية للناس، ودل به على المسبب الذى هو الفعل.

وأما الاكتفاء بالمسبب عن السبب، فكقوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» (٣)، أى: إذا أردت قراءة القرآن.

فاكتفى بالمسبب الذى هو القراءة عن السبب الذى هو الإرادة، والدليل على ذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة والذى دلت عليه أنّها بعد القراءة.

الضرب الثالث: الإضمار على شريطة التفسير، وهو أن يحذف من صدر الكلام ما يؤتى به فى آخره فيكون الآخر دليلا على الأول. وهو ثلاثة أوجه (٤):


(١) القصص ٤٤ - ٤٥.
(٢) مريم ٢٠ - ٢١.
(٣) النحل ٩٨.
(٤) ينظر المثل السائر ج ٢ ص ٨٦، والجامع الكبير ص ١٢٥، والطراز ج ٢ ص ٩٧.

<<  <   >  >>