فانك تعرف حسنها ومكانها من القبول، ثم انظر فى بيت المتنبى:
لو الفلك الدوّار أبغضت سعيه ... لعوّقه شئ عن الدوران
فانك تراها تقل وتضؤل بحسب نبلها وحسنها فيما تقدم.
ومن سر هذا الباب أنّك ترى اللفظة المستعارة قد استعيرت فى عدة مواضع ثم ترى لها فى بعض ذلك ملاحة لا تجدها فى الباقى، مثال ذلك أنك تنظر إلى لفظة «الجسر» فى قول أبى تمام:
لا يطمع المرء أن يجتاب لجّته ... بالقول ما لم يكن جسرا له العمل
وقوله:
بصرت بالراحة العظمى فلم ترها ... تنال إلا على جسر من التّعب
فترى لها فى الثانى حسنا لا تراه فى الأول، ثم تنظر إليها فى قول ربيعة الرقى:
قولى: نعم، ونعم إن قلت واجبة ... قالت: عسى وعسى جسر إلى نعم
ترى لها لطفا وخلابة وحسنا ليس الفضل فيه بقليل.
وينتهى عبد القاهر إلى أنّ الكلمة لو كانت إذا حسنت من حيث هى لفظ واذا استحقت المزية والشرف، استحقت ذلك فى ذاتها وعلى انفرادها دون أن يكون السبب فى ذلك حال لها مع أخواتها المجاورة لها فى النظم لما اختلفت بها الحال ولكانت إما أن تحسن أبدا أو لا تحسن أبدا (١).
ولعل الغرض الدينى كان دافعا إلى هذا الرأى، لأن كلمات القرآن الكريم عربية نطق بها الشعراء والخطباء وتداولها الناس، وليس لها مزية وهى مفردة لا يضمها سلك يوحد بينها ويجمع متفرقها، ولكى يظهر عبد القاهر