كنّى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن، وأصاب؛ لأنّ من شأن البكاء أن يكون كناية عنه كقولهم:«أبكانى وأضحكنى» أى:
أساءنى وسرنى، كما قال الحماسى:
أبكانى الدهر ويا ربّما ... أضحكنى الدهر بما يرضى
ثم طرد ذلك فى نقيضه فأراد أن يكنّى عما يوجبه دوام التلاقى من السرور بالجمود لظنه أنّ الجمود خلوّ العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شئ آخر، وأخطأ لأنّ الجمود خلوّ العين من البكاء فى حال إرادة البكاء منها فلا يكون كناية عن المسرة وإنّما يكون كناية عن البخل كما قال الشاعر:
ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجارى دمعها لجمود
وضبط القزوينى الكلام الخالى من التعقيد وقال عنه:«ما كان الانتقال من معناه الأول إلى معناه الثانى الذى هو المراد به ظاهرا حتى يخيل إلى السامع أنّه فهمه من حاقّ اللفظ»(١).
وأضاف إلى ذلك خلوص الكلام من كثرة التكرار، كقول المتنبى:
وتسعدنى فى غمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد
وكان الصاحب بن عباد قد أشار إليه بقوله:«إياك والاضافات المتداخلة فانها لا تحسن». ويرى القزوينى أنّ هذا الشرط لا يؤخذ به دائما، لأنّ ذلك إن أفضى باللفظ إلى الثقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه وإلّا فلا تخلّ بالفصاحة، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «الكريم بن الكريم