للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التى فيكم؟» قال: «شئ تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا». وقال له معاوية: «ما تعدّون البلاغة فيكم؟» قال «الايجاز». قال له معاوية: «وما الإيجاز؟» قال صحار: «أن تجيب فلا تبطئ، وتقول فلا تخطئ» (١).

وفى كتاب «البيان والتبيين» تعريفات كثيرة للبلاغة عند العرب وغيرهم، فقد قيل للفارسى: ما البلاغة؟ قال: معرفة الفصل من الوصل. وقيل لليونانى: ما البلاغة؟ قال: حسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة. وقيل للهندى: ما البلاغة؟ قال: وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة. وقال بعض أهل الهند: «جماع البلاغة: البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة» (٢).

وفسرها عمرو بن عبيد (- هـ) فى أول الأمر تفسيرا دينيا حين قيل له: ما البلاغة؟ فقال: ما بلغ بك الجنة، وعدل بك عن النار، وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك. قال السائل: ليس هذا أريد. قال:

من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يستمع ومن لم يحسن الاستماع لم يحسن القول. قال: ليس هذا أريد. قال: قال النبى- صلى الله عليه وسلم-:

«إنّا معشر الأنبياء بكاء» أى: قليلو الكلام، ومنه قيل: «رجل بكئ».

وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله. قال: قال السائل: ليس هذا أريد. قال: كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام ما لا يخافون من فتنة السكوت ومن سقطات الصمت. قال السائل: ليس هذا أريد. قال عمرو: فكأنك تريد تخير اللفظ فى حسن الإفهام؟ قال:

نعم. قال: إنّك إذا أوتيت تقرير حجة الله فى عقول المكلفين وتخفيف المؤونة على المستمعين وتزيين تلك المعانى فى قلوب المريدين بالألفاظ المستحسنة، فى الآذان، المقبولة عند الأذهان رغبة فى سرعة استجابتهم


(١) البيان ج ١ ص ٩٦.
(٢) البيان ج ١ ص ٨٨.

<<  <   >  >>