ولكنه لم يحدد معانيها أو يذكر علماء علم المعانى وأثمته. ولم نعثر فى تأريخ البلاغة على علماء اختصوا بهذا العلم وبحثوا فيه كما فعل السكاكى فى «مفتاح العلوم» إلا ما نلاحظه من وقوف عبد القاهر الجرجانى على «معانى النحو» فى كتابه «دلائل الإعجاز» و «البيان» فى كتابه «أسرار البلاغة» لكن هذا الوقوف لا يعنى أنّه ميز بينهما، لأنّ موضوعات البلاغة ظلت مختلطة فى التكابين، وإن كان الأول أقرب إلى علم المعانى والثانى ألصق بعلم البيان.
ولأننا لم نستطع أن نتبين مفهوم المعانى قبل السكاكى مع ما جاء فى «الكشاف» و «نهاية الإيجاز» نقرر أنّه أول من قسم البلاغة إلى معان وبيان ومحسنات، وحدد موضوعاتها وأرسى قواعدها، وأنّه أول من أطلق على الموضوعات المتعلقة بالنظم مصطلح «علم المعانى» وعلى الموضوعات التى تبحث فى الصورة والخيال-
التشبيه والمجاز والكناية- مصطلح «علم البيان» وأنّه أول من سمّى غير هذه البحوث محسنات أو «وجوها مخصوصة يصار اليها لقصد تحسين الكلام» وقسّمها إلى ما يختص بالمعنى وما يتعلق باللفظ.
ولم يسمّها بديعا، وكان بدر الدين بن مالك (- هـ) صاحب «المصباح» هو الذى أطلق عليها هذا المصطلح وتابعه الخطيب القزوينى والمتأخرون.
وكان للسكاكى منهج فى بحث موضوعات «علم المعانى» اختلف عن كل ما ألفناه فى كتب البلاغة الأولى، وقد قرر- كما قرر غيره- أنّ كلام العرب قسمان: الخبر والطلب ولذلك قسم المعانى إلى قانونين:
الأول: يتعلق بالخبر.
والثانى: يتصل بالطلب.
وقسم القانون الأول إلى أربعة فنون:
الأول: فى تفصيل اعتبارات الإسناد الخبرى، تكلم فيه على أنواع الخبر وأغراضه ومؤكداته وخروجه على مقتضى الظاهر.
الثانى: فى تفصيل اعتبارات المسند إليه، تكلم فيه على حذفه وذكره، وتعريفه وتنكيره، وإضماره، وكونه معرفة سواء كان موصولا أم اسم