للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ناصعة والسواد صافيّا برّاقا. وعلى هذا تجد هذا الحدّ من المرتبة التي لا يستوي فيها البليد والذكيّ، والمهمل نفسه والمتيقّظ المستعدّ للفكر والتصوّر، فقوله (١):

[من الطويل]

كأنّ على أنيابها كلّ سحرة ... صياح البوازي من صريف اللّوائك

أرفع طبقة من قوله (٢): [من الطويل]

كأن صليل المرو حين تشذّه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا

لأن التفصيل والخصوص في صوت البازي، أبين وأظهر منه في صليل الزيوف.

وكما أن قوله يصف الفرس (٣): [من البسيط]

وللفؤاد وجيب تحت أبهره ... لدم الغلام وراء الغيب بالحجر

لا يسوّى بتشبيه وقع الحوافر بهزمة الرعد، وتشبيه الصّوت الذي يكون لغليان القدر بنحو ذلك، كقوله (٤): [من الطويل]

لها لغط جنح الظّلام كأنّه ... عجارف غيث رائح متهزّم

لأنّ هناك من التفصيل الحسن ما تراه، وليس في كون الصوت من جنس اللّغط تفصيل يعتدّ به، وإنما هو كالزيادة

والشدّة في الوصف.

ومثال ذلك مثال أن يكون جسم أعظم من جسم في أنه لا يتجاوز مرتبة الجمل كبير تجاوز، فإذا رأى الرجل شخصا قد زاد على المعتاد في العظم


(١) راجع ص ٧٠ هامش رقم (٢).
(٢) البيت لامرئ القيس، وهو في ديوانه ص ٦٣ من قصيدة قالها في توجهه إلى قيصر ملك الروم مستجدا به على رد ملكه إليه والانتقام من بني أسد، ومطلعها:
سما بك شوق بعد ما كان أقصرا ... وحلّت سليمى بطن قوم فعرعرا
كنا فيه باتت وفي الصدر ودها ... مجاورة غسان والحي يعمرا
وصليل المرو: صوت الحجارة. تشذّه: تنحيه. الزيوف: الدراهم الزائفة التي لا فضة فيها. عبقر:
واد زعموا أنه كثير الجن، وإليه تنسب نفائس الأشياء وبدائع الفكر، فيقال: هذا بساط عبقري، وهذا رأي عبقري، وهذا رجل عبقري، وذلك لكل حسن مستجاد.
(٣) البيت لتميم بن أبي مقبل في ديوانه. والأبهر: عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به، فإذا انقطع لم تكن معه حياة.
(٤) البيت لعمرو بن أحمر الباهلي في ديوانه، وهو في شرح الحماسة يصف القدور. عجارف: شدة المطر والغيث، المنهزم: المتصوت يقال: تهزمت القوس وتهزم الرعد أي صوتا.

<<  <   >  >>