«يحلو»، ولم يسبق ذكر «يمرّ»، وجدت المعنى في تشبيهك له بالماء في الصّفاء وبالعسل في الحلاوة بحاله وعلى حقيقته. وليس كذلك الأمر في الآية لأنك لو قلت:
«كالحمار يحمل أسفارا»، ولم تعتبر أن يكون جهل الحمار مقرونا بحمله، وأن يكون متعدّيا إلى ما تعدّى إليه الحمل، لم يتحصل لك المغزى منه.
وكذلك لو قلت:«هم كالحمار في أنه يجهل الأسفار»، ولم تشرط أن يكون حمله الأسفار مقرونا بجهله لها لكان كذلك. وكذلك لو ذكرت الحمل والجهل مطلقين، ولم تجعل لهما المفعول المخصوص الذي هو الأسفار، فقلت:«هو كالحمار في أنه يحمل ويجهل»، وقعت من التشبيه المقصود في الآية بأبعد البعد، والنكتة أن التشبيه بالحمل للأسفار، إنما كان بشرط أن يقترن به الجهل، ولم يكن الوصف بالصّفاء والتشبيه بالماء فيه بشرط أن يقترن به الكدر، ولذلك لو قلت:
«يصفو ولا يكدر» لم تزد في صميم التشبيه وحقيقته شيئا، وإنما استدمت الصّفة كقولك:«يصفو أبدا وعلى كل حال».
[فصل]
اعلم أن الشّبه إذا انتزع من الوصف لم يخل من وجهين:
أحدهما: أن يكون لأمر يرجع إلى نفسه.
والآخر: أن يكون لأمر لا يرجع إلى نفسه.
فالأوّل: ما مضى في نحو تشبيه الكلام بالعسل في الحلاوة، وذلك أنّ وجه التشبيه هناك أنّ كل واحد منهما يوجب في النفس لذّة وحالة محمودة، ويصادف منها قبولا. وهذا حكم واجب للحلاوة من حيث هي حلاوة، أو للعسل من حيث هو عسل.
وأما الثاني: وهو ما ينتزع منه الشبه لأمر لا يرجع إلى نفسه، فمثاله أن يتعدّى الفعل إلى شيء مخصوص يكون له من أجله حكم خاصّ، نحو كونه واقعا في موقعه وعلى الصواب، أو واقعا غير موقعه، كقولهم:«هو كالقابض على الماء» و «الراقم في الماء»، فالشبه هاهنا منتزع ممّا بين القبض والماء، وليس بمنزع من القبض نفسه، وذلك
أن فائدة قبض اليد على الشيء أن يحصل فيها، فإذا كان الشيء مما لا يتماسك، ففعلك القبض في اليد لغو وكذلك القصد في «الرّقم» أن يبقى أثر في الشيء، وإذا فعلته فيما لا يقبله، كان فعلك كلا فعل وكذلك قولهم:«يضرب في حديد بارد» وينفخ في غير فحم».