اعلم أنك تجد الاسم وقد وقع من نظم الكلام الموقع الذي يقتضي كونه مستعارا، ثم لا يكون مستعارا. وذاك لأن التشبيه المقصود منوط به مع غيره، وليس له شبه ينفرد به، على ما قدّمت لك من أن الشبه يجيء منتزعا من مجموع جملة من الكلام، فمن ذلك قول داود بن عليّ حين خطب فقال:
«شكرا شكرا، إنّا والله ما خرجنا لنحفر فيكم نهرا، ولا لنبني فيكم قصرا، أظنّ عدوّ الله أن لن يظفر به، أرخي له في زمامه، حتى عثر في فضل خطامه، فالآن عاد الأمر في نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، والآن قد أخذ القوس باريها، وعاد النّبل إلى النزعة، ورجع الأمر إلى مستقرّه في أهل بيت نبيّكم، أهل بيت الرّأفة والرّحمة».
فقوله:«الآن أخذ القوس باريها»، وإن كان القوس تقع كناية عن الخلافة، والباري عن المستحقّ لها، فإنه لا يجوز أن يقال إن القوس مستعار للخلافة على حدّ استعارة النور والشمس، لأجل أنه لا يتصوّر أن يخرج للخلافة شبه من القول على الانفراد، وأن يقال:«هي قوس»، كما يقال:«هي نور» و «شمس»، وإنما الشّبه مؤلّف لحال الخلافة مع القائم بها، من حال القوس مع الذي براها، وهو أن الباري للقوس أعرف بخيرها وشرّها، وأهدى إلى توتيرها وتصريفها، إذ كان العامل لها فكذلك الكائن على الأوصاف المعتبرة في الإمامة والجامع لها، يكون أهدى إلى توفية الخلافة حقّها، وأعرف بما يحفظ مصارفها عن الخلل، وأن يراعي في سياسة الخلق بالأمر والنّهي التي هي المقصود منها ترتيبا ووزنا تقع به الأفعال مواقعها من الصواب، كما أنّ العارف بالقوس يراعي في تسوية جوانبها، وإقامة وترها، وكيفية نزعها ووضع السهم الموضع الخاصّ منها، ما يوجب في سهامه أن تصيب الأغراض، وتقرطس في الأهداف، وتقع في المقاتل، وتصيب شاكلة الرّمي.
وهكذا قول القائل وقد سمع كلاما حسنا من رجل دميم:«عسل طيّب في ظرف سوء»، ليس «عسل» هاهنا على حدّه في قولك: «ألفاظه عسل»، لأجل أنه لم يقصد إلى بيان حال اللّفظ الحسن وتشبيهه بالعسل في هذا الكلام، وإن كان ذلك أمرا معتادا، وإنما قصد إلى بيان حال الكلام الحسن من المتكلم المشنوء في منظره، وقياس اجتماع فضل المخبر مع نقص المنظر، بالشبه المؤلّف من العسل والظّرف.
ألا ترى أن الذي يقابل الرجل هو «ظرف سوء» وظرف سوء لا يصلح تشبيه الرجل به