١٩]، فإنما جاء على الحقيقة التي وصفتها، وذلك أنهم أثبتوا للملائكة صفة الإناث، واعتقدوا وجودها فيهم. وعن هذا الاعتقاد صدر عنهم ما صدر من الاسم- أعني إطلاق اسم البنات، وليس المعنى أنهم وضعوا لها لفظ الإناث، أو لفظ البنات، اسما من غير اعتقاد معنى، وإثبات صفة، هذا محال لا يقوله عاقل- أو ما يسمعون قول الله عز وجل: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ [الزخرف:
١٩]، فإن كانوا لم يزيدوا على إجراء الاسم على الملائكة ولم يعتقدوا إثبات صفة ومعنى، فأيّ معنى لأن يقال:«أشهدوا خلقهم»؟ هذا، ولو كانوا لم يقصدوا إثبات صفة، ولم يفعلوا أكثر من أن وضعوا اسما، لما استحقّوا إلّا اليسير من الذّم، ولما كان هذا القول كفرا منهم. والأمر في ذلك أظهر من أن يخفى ولكن قد يكون للشيء المستحيل وجوه في الاستحالة فتذكر كلّها، وإن كان في الواحد منها ما يزيل الشبهة ويتمّ الحجّة.
[فصل في تقسيم المجاز إلى اللغوي والعقلي، واللغوي إلى الاستعارة وغيرها]
واعلم أن «المجاز» على ضربين: مجاز من طريق اللغة، ومجاز من طريق المعنى والمعقول. فإذا وصفنا بالمجاز الكلمة المفردة كقولنا:«اليد مجاز في النعمة» و «الأسد مجاز في الإنسان وكلّ ما ليس بالسبع المعروف»، كان حكما أجريناه على ما جرى عليه من طريق اللغة، لأنا أردنا أنّ المتكلم قد جاز باللفظة أصلها الذي وقعت له ابتداء في اللغة، وأوقعها على غير ذلك، إمّا تشبيها، وإمّا لصلة وملابسة بين ما نقلها إليه وما نقلها عنه.
ومتى وصفنا بالمجاز الجملة من الكلام، كان مجازا من طريق المعقول دون اللغة، وذلك أن الأوصاف اللّاحقة للجمل من حيث هي جمل، لا يصحّ ردّها إلى اللّغة، ولا وجه لنسبتها إلى واضعها، لأن التأليف هو إسناد فعل إلى اسم، واسم إلى اسم، وذلك شيء يحصل بقصد المتكلم، فلا يصير «ضرب» خبرا عن «زيد» بواضع اللغة، بل بمن قصد إثبات الضرب فعلا له، وهكذا:«ليضرب زيد»، لا يكون أمرا