لزيد باللغة، ولا «اضرب» أمرا للرجل الذي تخاطبه وتقبل عليه من بين كل من يصحّ خطابه باللغة، بل بك أيّها المتكلم. فالذي يعود إلى واضع اللغة، أنّ «ضرب» لإثبات الضرب، وليس لإثبات الخروج، وأنه لإثباته في زمان ماض، وليس لإثباته في زمان مستقبل. فأمّا تعيين من يثبت له، فيتعلّق بمن أراد ذلك من المخبرين بالأمور، والمعبّرين عن ودائع الصّدور، والكاشفين عن المقاصد والدّعاوى، صادقة كانت تلك الدعاوى أو كاذبة ومجراة على صحتها، أو مزالة عن مكانها من الحقيقة وجهتها ومطلقة بحسب ما تأذن فيه العقول وترسمه أو معدولا بها عن مراسمها نظما لها في سلك التّخييل، وسلوكا بها في مذهب التأويل.
فإذا قلنا مثلا:«خطّ أحسن مما وشّاه الربيع» أو «صنعه الربيع»، وكنّا قد ادعينا في ظاهر اللفظ أن للربيع فعلا أو صنعا، وأنه شارك الحيّ القادر في صحّة الفعل منه. وذلك تجوّز من حيث المعقول لا من حيث اللغة، لأنه إن قلنا:«إنه مجاز من حيث اللغة»، صرنا كأنّا نقول: إن اللغة هي التي أوجبت أن يختصّ الفعل بالحيّ القادر دون الجماد، وإنها لو حكمت بأنّ الجماد يصحّ منه الفعل والصّنع والوشي والتزيين، والصّبغ والتحسين، لكان ما هو مجاز الآن حقيقة، ولعاد ما هو الآن متأوّل، معدودا فيما هو حقّ محصّل، وذلك محال.
وإنما يتصوّر مثل هذا القول في الكلم المفردة، نحو «اليد» للنعمة، وذاك أنه يصحّ أن يقال: لو كان واضع اللغة وضع «اليد» أوّلا للنعمة، ثم عدّاها إلى الجارحة، لكان حقيقة فيما هو الآن مجاز، ومجازا فيما هو حقيقة فلم يكن بواجب من حيث المعقول أن يكون لفظ «اليد» اسما للجارحة دون النعمة، ولا في العقل أن شيئا بلفظ، أن يكون دليلا عليه أولى منه بلفظ، لا سيما في الأسماء الأول التي ليست بمشتقّة. وإنما وزان ذلك وزان أشكال الخطّ التي جعلت أمارات لأجراس الحروف المسموعة، في أنه لا يتصوّر أن يكون العقل اقتضى اختصاص كل شكل منها بما اختصّ به، دون أن يكون ذلك لاصطلاح وقع وتواضع اتّفق. ولو كان كذلك، لم تختلف المواضعات في الألفاظ والخطوط، ولكانت اللغات واحدة، كما وجب في عقل كل عاقل يحصّل ما يقول، أن لا يثبت الفعل على الحقيقة إلا للحيّ القادر.
فإن قلت: فإن اللغة رسمت أن يكون «فعل» لإثبات الفعل للشيء كما زعمت، ولكنّا إذا قلنا:«فعل الربيع الوشي» أو «وشّى الربيع»، فإننا نريد بذلك معنى معقولا، وهو أن الربيع سبب في كون الأنوار التي تشبه الوشي .. فقد نقلنا الفعل عن