للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: ٣٤].

وكذا قوله: [من الكامل]

لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم (١)

معنى معقول لم يزل العقلاء يقضون بصحّته، ويرى العارفون بالسياسة الأخذ بسنّته، وبه جاءت أوامر الله سبحانه، وعليه جرت الأحكام الشرعية والسّنن النبوية، وبه استقام لأهل الدّين دينهم، وانتفى عنهم أذى من

يفتنهم ويضيرهم. إذ كان موضوع الجبلّة على أن لا تخلو الدنيا من الطغاة الماردين، والغواة المعاندين، الذين لا يعون الحكمة فتردعهم، ولا يتصوّرون الرشد فيكفّهم النّصح ويمنعهم، ولا يحسّون بنقائص الغيّ والضلال، وما في الجور والظلم من الضّعة والخبال، فيجدوا لذلك مسّ ألم يحبسهم على الأمر، ويقف بهم عند الزجر، بل كانوا كالبهائم والسّباع، لا يوجعهم إلّا ما يخرق الأبشار من حدّ الحديد، وسطو البأس الشديد، فلو لم تطبع لأمثالهم السيوف، ولم تطلق فيهم الحتوف، لما استقام دين ولا دنيا، ولا نال أهل الشرف ما نالوه من الرتبة العليا، فلا يطيب الشرب من منهل لم تنف عنه الأقذاء، ولا تقرّ الروح في بدن لم تدفع عنه الأدواء.

وكذلك قوله (٢): [من الطويل]

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضرّ، كوضع السّيف في موضع الندى

[القسم التخييلي]

وأما القسم التخييلي، فهو الذي لا يمكن أن يقال إنه صدق، وإنّ ما أثبته ثابت وما نفاه منفيّ. وهو مفتّن المذاهب، كثير المسالك، لا يكاد يحصر إلّا تقريبا،


(١) البيت للمتنبي.
(٢) البيتان في ديوانه من قصيدة له يمدح سيف الدولة مطلعها:
لكل امرئ من دهره ما تعوّدا ... وعادة سيف الدولة الطعن في العدى
وفي البيتين يوضح المتنبي في الثاني منهما أهمية وضع كل فعل في مكانه المناسب، فلا يساء إلى المحسن ولا يحسن إلى المسيء لأن ذلك مضر بالعلى وبالأخلاق.

<<  <   >  >>