حسن مقبول، وإن عظم التفاوت بين نور الشمس ونور المرآة والدّينار أو الجرم والجرم، لأنك لم تضع التشبيه على مجرّد النّور والائتلاق، وإنما قصدت إلى مستدير يتلألأ ويلمع، ثم خصوص في جنس اللون يوجد في المرآة المجلوّة والدينار المتخلّص من حمي السّكّة، كما يوجد في الشمس. فأما مقدار النور، وأنه زائد أو ناقص ومتناه، أو متقاصر، والجرم: أعظيم هو أم صغير؟ فلم تتعرّض له، ويستقيم لك العكس في هذا كله، نحو أن تشبّه المرآة بالشمس، وكذلك لو قلت في الدينار:
«كأنه شمس»، أو قلت:«كأن الدنانير المنثورة شموس صغار» لم تتعدّ.
وجملة القول أنه متى لم يقصد ضرب من المبالغة في إثبات الصفة للشيء، والقصد إلى إيهام في الناقص أنه كالزائد، واقتصر على الجمع بين الشيئين في مطلق الصورة والشكل واللون، أو جمع وصفين على وجه يوجد في الفرع على حدّه أو قريب منه في الأصل، فإنّ العكس يستقيم في التشبيه، ومتى أريد شيء من ذلك لم يستقم.
وقد يقصد الشاعر، على عادة التخييل، أن يوهم في الشيء هو قاصر عن نظيره في الصفة أنه زائد عليه في استحقاقها، واستيجاب أن يجعل أصلا فيها، فيصحّ على موجب دعواه وسرفه أن يجعل الفرع أصلا، وإن كنّا إذا
رجعنا إلى التحقيق، لم نجد الأمر يستقيم على ظاهر ما يضع اللفظ عليه، ومثاله قول محمد بن وهيب:[من الكامل]
وبدا الصّباح كأنّ غرّته ... وجه الخليفة حين يمتدح
فهذا على أنه جعل وجه الخليفة كأنه أعرف وأشهر وأتمّ وأكمل في النور والضياء من الصّباح، فاستقام له بحكم هذه النّيّة أن يجعل الصباح فرعا، ووجه الخليفة أصلا.
واعلم أن هذه الدعوى وإن كنت تراها تشبه قولهم:«لا يدرى أوجهه أنور أم الصّبح، وغرّته أضوأ أم البدر»، وقولهم إذا أفرطوا:«نور الصباح يخفى في ضوء وجهه»، أو «نور الشمس مسروق من جبينه»، وما جرى في هذا الأسلوب من وجوه الإغراق والمبالغة فإن في الطريقة الأولى خلابة وشيئا من السحر، وهو أنه كأنه يستكثر للصّباح أن يشبّه بوجه الخليفة، ويوهم أنه قد احتشد له، واجتهد في طلب