للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل النّخلة أو مثل الخامة» (١)، لا تستطيع أن تتعاطى الاستعارة في شيء منه فتقول: «رأيت نخلة» أو «خامة» على معنى «رأيت مؤمنا».

إنّ من رام مثل هذا كان كما قال صاحب الكتاب: «ملغزا تاركا لكلام الناس الذي يسبق إلى أفئدتهم»، وقد قدّمت طرفا من هذا الفصل فيما مضى، ولكنني أعدته هاهنا لاتصاله بما أريد ذكره.

فقد ظهر أنه ليس كل شيء يجيء فيه التشبيه الصريح بذكر الكاف ونحوها، يستقيم نقل الكلام فيه إلى طريقة الاستعارة، وإسقاط ذكر المشبّه جملة، والاقتصار على المشبّه به. وبقي أن نتعرّف الحكم في الحالة الأخرى، وهي التي يكون كل واحد من المشبّه والمشبّه به مذكورا فيه، نحو: «زيد أسد» و «وجدته أسدا»، هل تساوق صريح

التشبيه حتى يجوز في كل شيئين قصد تشبيه أحدهما بالآخر أن تحذف الكاف ونحوها من الثاني، وتجعله خبرا عن الأول أو بمنزلة الخبر؟ والقول في ذلك أن التشبيه إذا كان صريحا بالكاف، و «مثل»، كان الأعرف الأشهر في المشبّه به أن يكون معرفة، كقولك: «هو كالأسد» و «هو كالشمس» و «هو كالبحر» و «كليث العرين» و «كالصبح» و «كالنجم» وما شاكل ذلك، ولا يكاد يجيء نكرة مجيئا يرتضى نحو:

«هو كأسد» و «كبحر» و «كغيث»، إلا أن يخصّص بصفة نحو «كبحر زاخر»، فإذا جعلت الاسم المجرور بالكاف معربا بالإعراب الذي يستحقّه الخبر من الرفع أو النصب، كان كلا الأمرين- التعريف والتنكير- فيه حسنا جميلا، تقول: «زيد الأسد» و «الشمس» و «البدر» و «البحر» و «زيد أسد» و «شمس» و «بدر» و «بحر».

وإذ قد عرفت هذا، فارجع إلى نحو:

فإنك كالليل الذي هو مدركي (٢)


(١) انظر صحيح الجامع للألباني. والخامة: الغضة الرطبة من النبات، والحديث: «مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا» قال الطرماح:
إنما نحن مثل خامة زرع ... فمتى يأن يأت محتصده
(٢) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٥٦، وفي لسان العرب ٤/ ٥٠٧، وكتاب العين ٨/ ٣٩٣.
وعجز البيت:
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع خلت: حسبت، المنتأى: البعد. والبيت من قصيدة يمدح النعمان فيها، ويعتذر إليه، ومطلعها:
عفا ذو حسا من فزتنى فالفوارع ... فجنبا أريك، فالتلاع الدوافع
عفا: إمحاء الأثر، ذو حسا: اسم مكان في بلاد مرة، فزتنى: اسم امرأة الفوارع: الواحد فرع، وهو فرع الجبل وأعلاه. التلاع: الواحدة تلعة، ما ارتفع من الأرض. الدوافع: تجمع المياه ودفعها إلى الوادي المنحدر.

<<  <   >  >>