وإنما ساعده التوفيق، من حيث وطّئ له من قبل الطريق، فسبق العرف بتشبيه الحبك على صفحات الغدران بحلق
الدروع، فتدرّج من ذلك إلى أن جعلها سلاسل، كما فعل ابن المعتزّ في قوله: [من الطويل]
وأنهار ماء كالسلاسل فجرّت ... لترضع أولاد الرياحين والزهر
ثم أتمّ الحذق بأن جعل للماء صفة تقتضي أن يسلسل، وقرب مأخذ ما حاول عليه، فإن شدة الحركة وفرط سرعتها من صفات الجنون، كما أن التمهّل فيها والتأنّي من أوصاف العقل.
ومن هذا الجنس قول ابن المعتزّ في السيف، في أبيات قالها في الموفّق، وهي:
[من السريع]
وفارس أغمد في جنّة ... تقطّع السيف إذا ما ورد
كأنها ماء عليه جرى ... حتى إذا ما غاب فيه جمد
في كفّه عضب إذا هزّه ... حسبته من خوفه يرتعد
فقد أراد أن يخترع لهزّة السيف علّة، فجعلها رعدة تناله من خوف الممدوح وهيبته.
ويشبه أن يكون ابن بابك نظر إلى هذا البيت وعلّق منه الرعدة في قوله: [من المتقارب]
فإن عجمتني نيوب الخطوب ... وأوهى الزمان قوى منّتي
فما اضطرب السيف من خيفة، ... ولا أرعد الرمح من قرّة
إلا أنه ذهب بها في أسلوب آخر، وقصد إلى أن يقول: إنّ كون حركات الرمح في ظاهر حركة المرتعد، لا يوجب أن يكون ذلك من آفة وعارض، وكأنه عكس القضيّة فأبى أن تكون صفة المرتعد في الرمح للعلل التي لمثلها تكون في الحيوان.
وأمّا ابن المعتزّ فحقّق كونها في السيف على حقيقة العلّة التي لها تكون في الحيوان، فاعرفه.
وقد أعاد هذا الارتعاد على الجملة التي وصفت لك، فقال: [من السريع]
قالوا: طواه حزنه فانحنى ... فقلت، والشكّ عدوّ اليقين
ما هيف النّرجس من صبوة ... ولا الضنى في صفرة الياسمين