فهو يشمت بالنرجس لانقضاء مدّته وإدبار دولته، وبدوّ أمارات الفناء فيه، وأعاد هذا الضحك من الورد فقال: [من الخفيف]
ضحك الورد في قفا المنثور ... واسترحنا من رعدة المقرور
أراد إقبال الصيف وحرّ الهواء، ألا تراه قال بعده:
واستطبنا المقيل في برد ظلّ ... وشممنا الرّيحان بالكافور
فالرحيل الرحيل يا عسكر الل ... ذّات عن كلّ روضة وغدير
فهذا من شأن الورد الذي عابه به ابن الرومي في قوله:
فصل القضية أن هذا قائد ... زهر الرياض وأن هذا طارد
وقد جعله ابن المعتز لهذا الطّرد ضاحكا ضحك من استولى وظفر وابتزّ غيره على ولاية الزّمان واستبدّ بها.
ومما يشوب الضحك فيه شيء من التّعليل قوله أيضا: [من الكامل]
مات الهوى منّي وضاع شبابي ... وقضيت من لذّاته آرابي
وإذا أردت تصابيا في مجلس ... فالشّيب يضحك بي مع الأحباب
لا شكّ أن لهذا الضحك زيادة معنى ليست للضحك في نحو قول دعبل: [من الكامل] ضحك المشيب برأسه فبكى وما تلك الزيادة إلا أنه جعل المشيب يضحك ضحك المتعجّب من تعاطي الرجل ما لا يليق به، وتكلّفه الشيء ليس هو من أهله، وفي ذلك ما ذكرت من إخفاء صورة التشبيه، وأخذ النفس بتناسيه، وهكذا قوله: [من الرجز]
لمّا رأونا في خميس يلتهب ... في شارق يضحك من غير عجب
كأنّه صبّ على الأرض ذهب ... وقد بدت أسيافنا من القرب
حتّى تكون لمناياهم سبب ... نرفل في الحديد والأرض تجب
وحنّ شريان ونبع فاصطخب ... تترّسوا من القتال بالهرب
المقصود قوله: «يضحك من غير عجب»، وذاك أنّ نفيه العلّة إشارة إلى أنه من جنس ما يعلّل، وأنّه ضحك قطعا وحقيقة. ألا ترى أنّك لو رجعت إلى صريح التشبيه