بعائدة، ولو أفاد لم يكن حشوا، ولم يدع لغوا. وقد تراه مع إطلاق هذا الاسم عليه واقعا من القبول أحسن موقع، ومدركا من الرّضى أجزل حظّ، وذاك لإفادته إيّاك، على مجيئه مجيء ما لا يعوّل في الإفادة عليه، ولا طائل للسامع لديه، فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لم ترقبها، والنافعة أتتك ولم تحتسبها، وربّما رزق الطّفيليّ ظرفا يحظى به حتى يحلّ محلّ الأضياف الذين وقع الاحتشاد لهم، والأحباب الذين وثق بالأنس منهم وبهم.
وأما التطبيق والاستعارة وسائر أقسام البديع، فلا شبهة أنّ الحسن والقبح لا يعترض الكلام بهما إلّا من جهة المعاني خاصّة، من غير أن يكون للألفاظ في ذلك نصيب، أو يكون لها في التحسين أو خلاف التحسين تصعيد
وتصويب.
أما «الاستعارة»، فهي ضرب من التشبيه، ونمط من التمثيل، والتشبيه قياس، والقياس يجري فيما تعيه القلوب، وتدركه العقول، وتستفتى فيه الأفهام والأذهان، لا الأسماع والآذان.
وأما «التطبيق»، فأمره أبين، وكونه معنويا أجلى وأظهر، فهو مقابلة الشيء بضده، والتضادّ بين الألفاظ المركّبة محال، وليس لأحكام المقابلة ثمّ مجال.
فخذ إليك الآن بيت الفرزدق الذي يضرب به المثل في تعسّف اللفظ:[من الطويل]
وما مثله في الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (١)
فانظر أتتصوّر أن يكون ذلك للفظه من حيث إنّك أنكرت شيئا، من حروفه، أو صادفت وحشيّا غريبا، أو سوقيّا ضعيفا؟ أم ليس إلّا لأنه لم يرتّب الألفاظ في الذكر، على موجب ترتيب المعاني في الفكر، فكدّ وكدّر، ومنع السامع أن يفهم الغرض إلّا بأن يقدّم ويؤخّر، ثم أسرف في إبطال النّظام، وإبعاد المرام، وصار كمن رمى بأجزاء تتألّف منها صورة، ولكن بعد أن يراجع فيها بابا من الهندسة، لفرط ما عادى بين أشكالها، وشدّة ما خالف بين أوضاعها.
وإذا وجدت ذلك أمرا بيّنا لا يعارضك فيه شكّ، ولا يملكك معه امتراء، فانظر